وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمَسْجُورِ: الْمَمْنُوعُ الْمَكْفُوفُ عَنِ الْأَرْضِ؛ لِئَلَّا (١) يَغْمُرَهَا فَيُغْرِقَ أَهْلَهَا. قَالَهُ (٢) عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ يَقُولُ السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي مُسْنَدِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا (٣) الْعَوَّامُ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ كَانَ مُرَابِطًا بِالسَّاحِلِ قَالَ: لَقِيتُ أَبَا صَالِحٍ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَيْسَ مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ فِيهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَسْتَأْذِنُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَضِخَ (٤) عَلَيْهِمْ، فَيَكُفُّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" (٥).
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، عَنْ يَزِيدَ -وَهُوَ ابْنُ هَارُونَ-عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنِي شَيْخٌ مُرَابِطٌ قَالَ: خَرَجْتُ لَيْلَةً لِحَرَسِي (٦) لَمْ يَخْرُجْ أَحَدٌ مِنَ الْحَرَسِ غَيْرِي، فَأَتَيْتُ الْمِينَاءَ فَصَعِدْتُ، فَجَعَلَ يُخَيَّلُ إليَّ أَنَّ الْبَحْرَ يُشْرِفُ يُحَاذِي رُءُوسَ الْجِبَالِ، فُعِلَ ذَلِكَ مِرَارًا وَأَنَا مُسْتَيْقِظٌ، فَلَقِيتُ أَبَا صَالِحٍ فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا وَالْبَحْرُ يُشْرِفُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، يَسْتَأْذِنُ اللَّهَ أَنْ يَنْفَضِخَ عَلَيْهِمْ، فَيَكُفُّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ". فِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ (٧).
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾ : هَذَا هُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ، أَيِ: الْوَاقِعُ (٨) بِالْكَافِرِينَ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ أَيْ: لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ ذَلِكَ.
قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، عَنْ صَالِحٌ الْمُرْيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ (٩) زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ يَعِسّ الْمَدِينَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَمَرَّ بِدَارِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَوَافَقَهُ قَائِمًا يُصَلِّي، فَوَقَفَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ فَقَرَأَ: ﴿وَالطُّورِ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ قَالَ: قَسَمٌ -وَرَبِّ الْكَعْبَةِ-حَقٌّ. فَنَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ وَاسْتَنَدَ إِلَى حَائِطٍ، فَمَكَثَ مَلِيًّا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنْزِلِهِ، فَمَكَثَ شَهْرًا يَعُودُهُ النَّاسُ لَا يَدْرُونَ مَا مَرَضُهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (١٠).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي "فَضَائِلِ الْقُرْآنِ": حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ: ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ﴾ (١١)، فَرَبَا لَهَا رَبْوَةً عِيدَ مِنْهَا عِشْرِينَ يَوْمًا (١٢).
وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا﴾ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وقَتَادَةُ: تَتَحَرَّكُ تَحْرِيكًا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ تَشَقُّقُهَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَدُورُ دَوْرًا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: اسْتِدَارَتُهَا وتحريكها لأمر الله، وموج بعضها في
(٢) في م: "وقال".
(٣) في م: "بن".
(٤) في م: "ينفضح".
(٥) المسند (١/٤٣) ورواه من طريق ابن الجوزي في العلل المتناهية (١/٥٢) وقال: "العوام ضعيف، والشيخ مجهول".
(٦) في م: "لمحرثي".
(٧) وذكره المؤلف في مسند عمر (٢/٦٠٨) من رواية الإسماعيلي، وقال: "فِيهِ رَجُلٌ مُبْهَمٌ لَمْ يُسَمَّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بحاله".
(٨) في م: "واقع".
(٩) في أ: "عن".
(١٠) وذكره المؤلف في مسند عمر (٢/٦٠٨) من رواية ابن أبي الدنيا وفي إسناده صالح المري، ووقع في مسند عمر "المدني" فإن كان المري فهو ضعيف.
(١١) زيادة من م.
(١٢) فضائل القرآن لأبي عبيد (ص ٦٤).