مَالِكٍ الطَّائِيَّ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَّكِئُ الْمُتَّكَأَ مِقْدَارَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مَا يَتَحَوَّلُ عَنْهُ وَلَا يَمَلُّهُ، يَأْتِيهِ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُهُ وَلَذَّتْ عَيْنُهُ".
وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هُدْبَة بْنُ خَالِدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ لَيَتَّكِئُ فِي الْجَنَّةِ سَبْعِينَ سَنَةً، عِنْدَهُ مِنْ أَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ وَمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ، فَإِذَا حَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ فَإِذَا أَزْوَاجٌ لَهُ لَمْ يَكُنْ رَآهُنَّ قَبْلَ ذَلِكَ، فَيَقُلْنَ: قَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَجْعَلَ لَنَا مِنْكَ نَصِيبًا.
وَمَعْنَى ﴿مَصْفُوفَةٌ﴾ أَيْ: وُجُوهُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ، كَقَوْلِهِ: ﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٤٤]. ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ أَيْ: وَجَعَلْنَاهُمْ قَرِينَاتٍ صَالِحَاتٍ، وَزَوْجَاتٍ حِسَانًا مِنَ الْحُورِ الْعِينِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ﴾ : أَنَكَحْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَصْفُهُنَّ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (٢١) وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٥) قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (٢٧) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨) ﴾
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَامْتِنَانِهِ وَلُطْفِهِ بِخَلْقِهِ وَإِحْسَانِهِ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّاتُهُمْ فِي الْإِيمَانِ يُلحقهم بِآبَائِهِمْ فِي الْمَنْزِلَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَمَلَهُمْ، لِتَقَرَّ أَعْيُنُ الْآبَاءِ بِالْأَبْنَاءِ عِنْدَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، بِأَنْ يَرْفَعَ النَّاقِصَ الْعَمَلِ، بِكَامِلِ الْعَمَلِ، وَلَا يَنْقُصَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ وَمَنْزِلَتِهِ، لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَاكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾
قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي دَرَجَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ، لِتَقَرَّ بِهِمْ عَيْنُهُ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾
رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة بِهِ (١). وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ بَحْرٍ (٢)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمَّادٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّة، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، فذكره، ثم قال: وقد رواه

(١) تفسير الطبري (٢٧/١٥).
(٢) في أ: "يحيى".


الصفحة التالية
Icon