مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ (١) فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ، إِلَّا غُفِرَ (٢) لَهُ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ".
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ -وَهَذَا لَفْظُهُ-وَالنَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرِكِهِ وَقَالَ: إِسْنَادٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، إِلَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ عَلَّلَهُ (٣).
قُلْتُ: عَلَّلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَأَبُو زُرَعة، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَنَسَبُوا الْوَهْمَ فِيهِ إِلَى ابْنِ جُرَيْج. عَلَى أَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَدْ رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ (٤) ابْنِ جُرَيْجٍ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ (٥) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ -وَاللَّفْظُ لَهُ-وَالنَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ هَاشِمٍ (٦) عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي بَرْزَة الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِأُخْرَةٍ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ". فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتَقُولُ قَوْلًا مَا كُنْتَ تَقُولُهُ فِيمَا مَضَى؟! قَالَ: "كَفَّارَةٌ لِمَا يَكُونُ فِي الْمَجْلِسِ" (٧).
وَقَدْ رُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَاللَّهُ (٨) أَعْلَمُ. وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ، مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيج، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ سَوَاءً (٩) وَرُوِيَ مُرْسَلًا أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّهُ قَالَ: "كَلِمَاتُ لَا يَتَكَلَّمُ بِهِنَّ أَحَدٌ فِي مَجْلِسِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِنَّ عَنْهُ، وَلَا يَقُولُهُنَّ فِي مَجْلِسِ خَيْرٍ وَمَجْلِسِ ذِكْرٍ، إِلَّا خُتِمَ لَهُ بِهِنَّ كَمَا يُخْتَمُ بِالْخَاتَمِ عَلَى الصَّحِيفَةِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ" (١٠) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَصَحَّحَهُ، وَمِنْ رِوَايَةِ جُبَير بْنِ مُطْعِمٍ (١١) وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، كُلُّهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ أَفْرَدْتُ لِذَلِكَ جُزْءًا عَلَى حِدَةٍ بِذِكْرِ طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ وَعِلَلِهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ (١٢)
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ أَيِ: اذْكُرْهُ وَاعْبُدْهُ بِالتِّلَاوَةِ وَالصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٧٩].
(٢) في م، أ: "إلا غفر الله له".
(٣) سنن الترمذي برقم (٣٤٣٣) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١٠٢٣٠) والمستدرك (١/٥٣٦).
(٤) في أ: "عن".
(٥) سنن أبي داود برقم (٤٨٥٨).
(٦) في أ: "عن أبي هاشم".
(٧) سنن أبي داود برقم (٤٨٥٩) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١٠٢٥٩) والمستدرك (١/٥٣٧).
(٨) في م: "فالله".
(٩) النسائي في السنن الكبرى برقم (١٠٢٦٠) والمستدرك (١/٥٣٧).
(١٠) سنن أبي داود برقم (٤٨٥٧).
(١١) المستدرك (١/٥٣٧).
(١٢) وقد ذكرت أحاديث كفارة المجلس عند تفسير الصافات في خاتمتها.