﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ (١).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ بَزِيع الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ حُلَّتَا (٢) رَفْرَفٍ، قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (٣).
فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ مَعْنَاهُ: فَأَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ مَا أَوْحَى. أَوْ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ مَا أَوْحَى بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ صَحِيحٌ، وَقَدْ ذُكر عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾، قَالَ: أَوْحَى إِلَيْهِ: "أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا" ﴿، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشَّرْحِ: ٤].
وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوْحَى [اللَّهُ] (٤) إِلَيْهِ أَنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَدْخُلَهَا، وَعَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتُكَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكيع، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُصَين، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾، ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى﴾ قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ (٥).
وَكَذَا رَوَاهُ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا: إِنَّهُ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ [أَوْ مَرَّةً] (٦)، وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ (٧)، وَفِي رِوَايَةِ عَنْهُ أَنَّهُ أَطْلَقَ الرُّؤْيَةَ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالْفُؤَادِ. وَمَنْ رَوَى عَنْهُ بِالْبَصَرِ فَقَدْ أَغْرَبَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنِ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وقولُ الْبَغَوِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ والحسنُ وَعِكْرِمَةُ. فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (٨).
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَبْهان (٩) بْنِ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ سَلْم بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ. قُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٠٣] قَالَ: وَيْحَكَ! ذَاكَ إِذَا تَجَلى بِنُورِهِ الَّذِي هُوَ نُورُه، وَقَدْ رَأَى رَبَّهُ مرتين.
(٢) في م، أ: "ليا".
(٣) تفسير الطبري (٢٧/٢٩).
(٤) زيادة من أ.
(٥) صحيح مسلم برقم (١٧٦).
(٦) زيادة من م.
(٧) في م: "ابن عمرو عنه".
(٨) انظر تفسير البغوي (٧/٤٠٣).
(٩) في م: "منهال".