فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "ارْجِعْ فَإِنَّكَ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا". فَرَجَعَ خَالِدٌ، فَلَمَّا أَبْصَرَتْهُ السَّدَنة -وَهُمْ حَجَبتها-أَمْعَنُوا فِي الحِيَل وَهُمْ يَقُولُونَ: "يَا عُزَّى، يَا عُزَّى". فَأَتَاهَا خَالِدٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا تَحْفِنُ (١) التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا، فَغَمَسَهَا بِالسَّيْفِ حَتَّى قَتَلَهَا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: "تِلْكَ الْعُزَّى" (٢).
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتِ اللَّاتُ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ، وَكَانَ سَدَنتها وَحُجَّابُهَا بَنَى مُعَتّب (٣).
قُلْتُ: وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ، فَهَدَمَاهَا وَجَعَلَا مَكَانَهَا مَسْجِدَ الطَّائِفِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتْ مَنَاةُ لِلْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَمَنْ دَانَ بِدِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ المُشَلّل بِقُدَيْدٍ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [إِلَيْهَا] (٤) أَبَا سُفْيَانَ صَخْرَ بْنَ حَرْبٍ، فَهَدَمَهَا. وَيُقَالُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
قَالَ: وَكَانَتْ ذُو الخَلَصة (٥) لدَوس وخَثعم وبَجِيلة، وَمَنْ كَانَ بِبِلَادِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ بِتَبَالة.
قُلْتُ: وَكَانَ يُقَالُ لَهَا: الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ، وَلِلْكَعْبَةِ الَّتِي بِمَكَّةَ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيَّ فَهَدَمَهُ.
قَالَ: وَكَانَتْ فَلْس (٦) لِطَيِّئَ وَلِمَنْ يَلِيهَا بِجَبَلَيْ طَيِّئَ مِنْ (٧) سَلمى وَأَجَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بعث إِلَيْهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَهَدَمَهُ، وَاصْطَفَى مِنْهُ سَيْفَيْنِ: الرّسُوب والمخْذَم، فَنفَّله أَيَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُمَا سَيْفَا عَلِيٍّ (٨).
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ لِحِمْيَرَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ بَيْتٌ بِصَنْعَاءَ يُقَالُ لَهُ: رِيَامٌ. وَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ كَلْبٌ أَسْوَدُ، وَأَنَّ الْحَبْرَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَهَبَا مَعَ تُبَّعٍ اسْتَخْرَجَاهُ وَقَتَلَاهُ، وَهَدَمَا الْبَيْتَ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَتْ "رُضَاء" بَيْتًا لِبَنِي رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ، وَلَهَا يَقُولُ الْمُسْتَوْغِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدٍ حِينَ هَدَمَهَا فِي الْإِسْلَامِ:
وَلَقَدْ شَدَدْتُ عَلَى رُضَاء شَدّةً... فَتَرَكْتُها قَفْرًا بِقَاع أسحَمَا...
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: إِنَّهُ عَاشَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ (٩) سَنَةً، وَهُوَ الْقَائِلُ:
وَلَقَد سَئِمْتُ مِنَ الحيَاةِ وَطُولِهَا... وَعُمّرْتُ منْ عَدَد السّنِينَ مِئِينَا...
مائَةً حَدّتها بَعْدَها مائَتَان لِي... وَازْدَدْتُ (١٠) مِنْ عَدَد الشُّهُورِ سِنِينَا...
هَلْ مَا بَقِي إِلَّا كَمَا قَدْ فَاتَنَا... يَومٌ يَمُرُّ وَلَيلةٌ تَحْدُونَا...
(٢) النسائي في السنن الكبرى رقم (١١٥٦٧).
(٣) في م: "مغيت".
(٤) زيادة من أ.
(٥) في أ: "الحليفة".
(٦) في م: "فيس".
(٧) في م، أ: "بين".
(٨) السيرة النبوية لابن هشام (١/٨٧).
(٩) في أ: "وستون".
(١٠) في م، أ: "وعمرت".