بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: سَمَّيْتُ ابْنَتِي بَرّةَ، فَقَالَتْ لِي زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَذَا الِاسْمِ، وَسُمِّيتُ بَرَّة، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِأَهْلِ الْبِرِّ مِنْكُمْ". فَقَالُوا: بِمَ نُسَمِّيهَا؟ قَالَ: "سَمُّوهَا زَيْنَبَ" (١).
وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي الْحَدِيثُ الذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٍ الحَذَّاء، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بكْرَة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَدَحَ رَجُلٌ رَجُلًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيْلَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ -مِرَارًا-إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أَحْسَبُ فُلَانًا -وَاللَّهُ حَسِيبُهُ، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا-أَحْسَبُهُ كَذَا وَكَذَا، إِنْ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ" (٢).
ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ غُنْدَر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، بِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، بِهِ (٣).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُثْمَانَ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ التُّرَابَ وَيَقُولُ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَقِينَا الْمَدَّاحِينَ أَنْ نَحْثُوَ فِي وُجُوهِهِمُ التُّرَابَ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، بِهِ (٤).
﴿أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧) أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (٣٨) وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى (٣٩) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (٤٠) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأوْفَى (٤١) ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذَامًّا لِمَنْ تَوَلَّى عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ: ﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى. وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾ [الْقِيَامَةِ: ٣١، ٣٢]، ﴿وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَطَاعَ قَلِيلًا ثُمَّ قَطَعَهُ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيرٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ عِكْرِمَةُ وَسَعِيدٌ: كَمَثَلِ الْقَوْمِ إِذَا كَانُوا يَحْفِرُونَ بِئْرًا، فَيَجِدُونَ فِي أَثْنَاءِ الْحَفْرِ صَخْرَةً تَمْنَعُهُمْ مِنْ تَمَامِ الْعَمَلِ، فَيَقُولُونَ: "أَكْدَيْنَا"، وَيَتْرُكُونَ الْعَمَلَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى﴾ أَيْ: أَعِنْدَ هَذَا الَّذِي قَدْ أَمْسَكَ يده خشية الإنفاق، وقطع
(٢) المسند (٥/٤٥).
(٣) المسند (٥/٤١) وصحيح البخاري برقم (٢٦٦٢) وصحيح مسلم برقم (٣٠٠٠) وسنن أبي داود برقم (٤٨٠٥) وسنن ابن ماجه برقم (٣٧٤٤).
(٤) صحيح مسلم برقم (٣٠٠٢) وسنن أبي داود برقم (٤٨٠٤).
مَعْرُوفَهُ، أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ أَنَّهُ سَيَنْفَدُ مَا فِي يَدِهِ، حَتَّى قَدْ أَمْسَكَ عَنْ مَعْرُوفِهِ، فَهُوَ يَرَى ذَلِكَ عِيَانًا؟! أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَنِ الصَّدَقَةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْبَرِّ وَالصِّلَةِ بُخْلًا وَشُحًّا وَهَلَعًا؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الحديث: "أَنْفِقْ بِلَالًا وَلَا تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلَالًا" (١)، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سَبَأٍ: ٣٩].
وَقَوْلُهُ: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالثَّوْرِيُّ أَيْ بَلَّغَ جَمِيعَ مَا أُمِرَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَفَّى﴾ لِلَّهِ بِالْبَلَاغِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَير: ﴿وَفَّى﴾ مَا أُمِرَ بِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَفَّى﴾ طَاعَةَ اللَّهِ، وَأَدَّى رِسَالَتَهُ إِلَى خَلْقِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، وَهُوَ يَشْمَلُ الَّذِي قَبْلَهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٢٤] فَقَامَ بِجَمِيعِ الْأَوَامِرِ، وَتَرَكَ جَمِيعَ النَّوَاهِي، وَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ، فَاسْتَحَقَّ بِهَذَا أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ إِمَامًا يُقتَدى بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النَّحْلِ: ١٢٣].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الحِمْصي، حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ قَالَ: "أَتَدْرِي مَا وَفَّى؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "وَفَّى عَمَلَ يَوْمِهِ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ".
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ (٢).
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ السّمْناني، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِر، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ (٣)، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدان، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَير، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، أَنَّهُ قَالَ: "ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، أَكفِكَ آخِرَهُ" (٤).
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَة، حَدَّثَنَا زَبَّان بْنُ قَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ لِمَ سَمَّى اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَهُ الَّذِي وَفَّى؟ إِنَّهُ كَانَ يقول كلما أصبح وأمسى:
وأما حديث بلال: فرواه الطبراني في المعجم الكبير (١/٣٥٩) من طريق أبي إسحاق عن مسروق عنه به.
وأما حديث ابن مسعود: فرواه الطبراني في المعجم الكبير (١٠/١٩١) من طريق يحيى بن وثاب عن مسروق عنه به.
(٢) تفسير الطبري (٢٧/٤٣).
(٣) في م، أ: "يحيى بن سعيد".
(٤) سنن الترمذي برقم (٤٧٥) وقال: "هذا حديث حسن غريب".