يُغْلَبُ؟ قَالَ عُمَرُ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ، وَهُوَ يَقُولُ: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ فَعَرَفْتُ تَأْوِيلَهَا يَوْمَئِذٍ (١).
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ؛ أَنَّ ابْنَ جُرَيج أَخْبَرَهُمْ: أَخْبَرَنِي يُوسُفُ بْنَ ماهَكَ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ -وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ- ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾ هَكَذَا رَوَاهُ ها هنا مُخْتَصَرًا (٢). وَرَوَاهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مُطَوَّلًا (٣)، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ مُسْلِمٌ.
﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩) ﴾.

(١) رواه عبد الرزاق في تفسيره (٢/٢٠٩) من طريق معمر عن أيوب به.
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٨٧٦).
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٩٩٣).

﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١) وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥) ﴾
يُخْبِرُنَا (١) تَعَالَى عَنِ الْمُجْرِمِينَ أَنَّهُمْ فِي ضَلَالٍ عَنِ الْحَقِّ، وسُعُر مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الشُّكُوكِ وَالِاضْطِرَابِ فِي الْآرَاءِ، وَهَذَا يَشْمَلُ كُلَّ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ مِنْ كَافِرٍ وَمُبْتَدِعٍ مِنْ سَائِرِ الْفِرَقِ.
ثُمَّ قَالَ: ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ﴾ أَيْ: كَمَا كَانُوا فِي سُعُر وَشَكٍّ وَتَرَدُّدٍ أَوْرَثَهُمْ ذَلِكَ النَّارَ، وَكَمَا كَانُوا ضُلَّالًا سُحبوا فِيهَا عَلَى وُجُوهِهِمْ، لَا يَدْرُونَ أَيْنَ يَذْهَبُونَ، وَيُقَالُ لَهُمْ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا: ﴿ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ﴾.
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، كَقَوْلِهِ: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [الْفُرْقَانِ: ٢] وَكَقَوْلِهِ: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى. الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الْأَعْلَى: ١-٣] أَيْ: قَدَّرَ قَدَرًا، وَهَدَى الْخَلَائِقَ إِلَيْهِ؛ وَلِهَذَا يَسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أئمةُ السُّنَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ قَدَر اللَّهِ السَّابِقِ لِخَلْقِهِ، وَهُوَ عِلْمُهُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا وَكِتَابَتُهُ لَهَا قَبْلَ بُرْئِهَا، وَرَدُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَبِمَا (٢) شَاكَلَهَا مِنَ الْآيَاتِ، وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَاتِ عَلَى الفرْقة القَدرية الَّذِينَ نَبَغُوا (٣) فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذَا الْمَقَامِ مُفَصَّلًا وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي شَرْحِ "كِتَابِ الْإِيمَانِ" مِنْ "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ" رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلْنَذْكُرْ هَاهُنَا الْأَحَادِيثَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ:
قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ السَّهْمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَة قَالَ: جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاصِمُونَهُ فِي الْقَدَرِ، فَنَزَلَتْ: ﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾.
(١) في م: "يخبر".
(٢) في م: "وما".
(٣) في أ: "سعوا".


الصفحة التالية
Icon