وَقَوْلُهُ: ﴿وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾ يَعْنِي: الْعَدْلَ، كَمَا قَالَ: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الْحَدِيدِ: ٢٥]، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿أَلا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ﴾ أي: خلق السموات وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ، لِتَكُونَ (١) الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ أَيْ: لَا تَبْخَسُوا الْوَزْنَ، بَلْ زِنوا بِالْحَقِّ وَالْقِسْطِ، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] (٢) ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾ [الشُّعَرَاءِ: ١٨٢].
وَقَوْلُهُ: ﴿وَالأرْضَ وَضَعَهَا لِلأنَامِ﴾ أَيْ: كَمَا رَفَعَ السَّمَاءَ وَضَعَ الْأَرْضَ وَمَهَّدَهَا، وَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ الشَّامِخَاتِ، لِتَسْتَقِرَّ لِمَا عَلَى وَجْهِهَا مِنَ الْأَنَامِ، وَهُمُ: الْخَلَائِقُ الْمُخْتَلِفَةُ أَنْوَاعُهُمْ وَأَشْكَالُهُمْ وَأَلْوَانُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ، فِي سَائِرِ أَقْطَارِهَا وَأَرْجَائِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: الْأَنَامُ: الْخَلْقُ.
﴿فِيهَا فَاكِهَةٌ﴾ أَيْ: مُخْتَلِفَةُ الْأَلْوَانِ وَالطُّعُومِ وَالرَّوَائِحِ، ﴿وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ﴾ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِشَرَفِهِ وَنَفْعِهِ، رَطْبًا وَيَابِسًا. وَالْأَكْمَامُ -قَالَ ابْنُ جُرَيْج عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هِيَ أَوْعِيَةُ الطَّلْعِ. وَهَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَهُوَ الَّذِي يَطْلُعُ فِيهِ الْقِنْوُ ثُمَّ يَنْشَقُّ عَنِ الْعُنْقُودِ، فَيَكُونُ بُسْرًا ثُمَّ رُطَبًا، ثُمَّ يَنْضَجُ وَيَتَنَاهَى يَنْعُه وَاسْتِوَاؤُهُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ (٣) ذُكِرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ الْحَارِثِ الطَّائِفِيُّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَتَبَ قَيْصَرُ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أُخْبِرُكَ أَنَّ رُسُلِي أَتَتْنِي مِنْ قِبَلِكَ، فَزَعَمَتْ أَنَّ قِبَلَكُمْ شَجَرَةً لَيْسَتْ بِخَلِيقَةٍ لِشَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ، تَخْرُجُ مِثْلَ آذَانِ الْحَمِيرِ، ثُمَّ تَشَقَّقُ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ، ثُمَّ تَخْضَرُّ فَتَكُونُ مِثْلَ الزُّمُرُّدِ (٤) الْأَخْضَرِ، ثُمَّ تَحْمَرُّ فَتَكُونُ كَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ، ثُمَّ تَيْنَع وَتَنْضَجُ فَتَكُونُ كَأَطْيَبِ فَالَوْذَجَ أُكِل، ثُمَّ تَيْبَسُ فَتَكُونُ عِصْمَةً لِلْمُقِيمِ وَزَادًا لِلْمُسَافِرِ، فَإِنْ تَكُنْ رُسُلِي صَدَقَتْنِي فَلَا أَرَى هَذِهِ الشَّجَرَةَ إِلَّا مِنْ شَجَرِ الْجَنَّةِ. فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (٥) مِنْ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى قَيْصَرَ مِلْكِ الرُّومِ، إِنَّ رُسُلَكَ قَدْ صَدَقُوكَ (٦)، هَذِهِ الشَّجَرَةُ عِنْدَنَا، وَهِيَ الشَّجَرَةُ الَّتِي أَنْبَتَهَا اللَّهُ عَلَى مَرْيَمَ حِينَ نُفِسَتْ بِعِيسَى ابْنِهَا، فَاتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَتَّخِذْ عِيسَى إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَإِنَّ ﴿مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٥٩، ٦٠] (٧).
وَقِيلَ: الْأَكْمَامُ رُفَاتُهَا، وَهُوَ: اللِّيفُ الَّذِي عَلَى عُنُقِ النَّخْلَةِ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وقَتَادَةَ.
﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ﴾ يعني: التبن.
(٢) زيادة من أ.
(٣) في أ: "ابن جرير".
(٤) في م: "كالرمد".
(٥) في م: "عمر بن عبد الله".
(٦) في م، أ: "صدقتك".
(٧) في م: "تكونن".