وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الفَضْل بْنُ دُكَيْن، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَخْلُ الْجَنَّةِ سَعَفُهَا كُسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، مِنْهَا مُقَطَّعَاتهم، وَمِنْهَا حُلَلهم، وكَرَبُها ذَهَبٌ أَحْمَرُ، وَجُذُوعُهَا زُمُرُّدٌ أَخْضَرُ، وَثَمَرُهَا أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ، وَلَيْسَ لَهُ عَجَمٌ.
وَحَدَّثَنَا أَبِي: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ -هُوَ ابْنُ سَلَمَةَ-عَنْ أَبِي هَارُونَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نَظَرْتُ إِلَى الْجَنَّةِ فَإِذَا الرُّمَّانَةُ مِنْ رُمَّانِهَا كَمِثْلِ الْبَعِيرِ المُقْتَب" (١).
ثُمَّ قَالَ: ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ قِيلَ: الْمُرَادُ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ حَسَنَةٌ فِي الْجَنَّةِ، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقِيلَ: خَيْرَاتٌ جَمْعُ خَيِّرَةٍ، وَهِيَ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ الْحَسَنَةُ الخُلُق الْحَسَنَةُ الْوَجْهِ، قَالَهُ الْجُمْهُورُ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (٢). وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي سَنُورِدُهُ فِي سُورَةِ "الْوَاقِعَةِ" (٣) : أَنَّ الْحُورَ الْعِينَ يُغَنِّينَ: نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانُ، خُلِقْنَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامٍ. وَلِهَذَا قَرَأَ بَعْضُهُمْ: "فِيهِنَّ خَيّرات"، بِالتَّشْدِيدِ ﴿حِسَانٌ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾.
ثُمَّ قَالَ: ﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾، وَهُنَاكَ قَالَ: ﴿فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾، وَلَا شَكَّ أَنَّ الَّتِي قَدْ قَصَرَت طَرْفَهَا بِنَفْسِهَا أَفْضَلُ مِمَّنْ قُصرت، وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ مُخَدَّرَاتٍ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بزَّة، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ خَيرة، وَلِكُلِّ خَيرة خَيْمَةٌ، وَلِكُلِّ خَيْمَةٍ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ، يَدْخُلُ عَلَيْهَا (٤) كُلَّ يَوْمٍ تُحْفَةٌ وَكَرَامَةٌ وَهَدِيَّةٌ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ، لَا مَرّاحات وَلَا طَمّاحات، وَلَا بَخِرَاتٍ وَلَا ذَفِرَاتٍ، حُورٌ عِينٌ، كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿فِي الْخِيَامِ﴾، قَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ خَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُجَوَّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتُّونَ (٥) مِيلًا فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أهلٌ مَا يَرون الْآخَرِينَ، يَطُوفُ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ".
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي عِمْرَانَ، بِهِ (٦). وَقَالَ: "ثَلَاثُونَ مِيلًا". وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عِمْرَانَ، بِهِ. وَلَفْظُهُ: "إِنَّ لِلْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً مِنْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ مُجَوَّفَةٍ، طُولُهَا ستون ميلا

(١) رواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج الإحياء (٦/٢٧٨٧) وابن عساكر في تاريخ دمشق كما في تهذيبه (٥/٤٦٢) من طريق أبي هارون العبدي به.
وأبو هارون العبدي اسمه عمارة بن جوين كذبه بعض الأئمة.
(٢) رواه الطبراني في المعجم الكبير (٢٣/٣٦٧) مطولا وفيه سليمان بن أبي كريمة وهو ضعيف.
(٣) عند تفسير الآيات ٣٥- ٣٨ من نفس السورة.
(٤) في م: "عليهم".
(٥) في أ: "سبعون".
(٦) صحيح البخاري برقم (٤٨٧٩)، (٣٢٤٣).


الصفحة التالية
Icon