أَيْ: كَلِمَةً لَاغِيَةً ﴿وَلا تَأْثِيمًا﴾ أَيْ: وَلَا كَلَامًا فِيهِ قُبْحٌ (١)، ﴿إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا﴾ أَيْ: إِلَّا التَّسْلِيمَ مِنْهُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا قَالَ: ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٣] وَكَلَامُهُمْ أَيْضًا سَالِمٌ مِنَ اللَّغْوِ وَالْإِثْمِ.
﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧) لأصْحَابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ (٤٠) ﴾.
لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَآلَ السَّابِقِينَ -وَهُمُ الْمُقَرَّبُونَ-عَطَفَ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ -وَهُمُ الْأَبْرَارُ-كَمَا قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان: أَصْحَابُ الْيَمِينِ مَنْزِلَةٌ دُونَ الْمُقَرَّبِينَ، فَقَالَ: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ أَصْحَابُ الْيَمِينِ؟ وَمَا حَالُهُمْ؟ وَكَيْفَ مَآلُهُمْ (٢) ؟ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وعِكْرِمَة، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، وقسَامة بْنُ زُهَير، والسَّفر بْنُ نُسَير، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، والسُّدِّيّ، وَأَبُو حَرْزَة، وَغَيْرُهُمْ: هُوَ الَّذِي لَا شَوْكَ فِيهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ المُوَقَر بِالثَّمَرِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عِكْرِمَة، وَمُجَاهِدٍ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: كُنَّا نُحَدِّث أَنَّهُ المُوقَر الَّذِي لَا شَوْكَ فِيهِ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا وَهَذَا فَإِنَّ سِدْرَ الدُّنْيَا كَثِيرُ الشَّوْكِ قَلِيلُ الثَّمَرِ، وَفِي الْآخِرَةِ عَلَى عَكْسٍ مِنْ هَذَا لَا شَوْكَ فِيهِ، وَفِيهِ الثَّمَرُ الْكَثِيرُ الَّذِي قَدْ أَثْقَلَ أَصْلَهُ، كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ (٣) بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبَّاسٍ (٤)، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَنْفَعُنَا بِالْأَعْرَابِ وَمَسَائِلِهِمْ؛ قَالَ: أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً تُؤْذِي صَاحِبَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَمَا هِيَ؟ ". قَالَ: السِّدر، فَإِنَّ لَهُ شَوْكًا مُوذِيًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾، خَضَد اللَّهُ شَوْكَهُ، فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةً، فَإِنَّهَا لَتُنْبِتُ ثَمَرًا تَفَتَّق الثمرةُ مِنْهَا عَنِ اثْنَيْنِ (٥) وَسَبْعِينَ لَوْنًا مِنْ طَعَامٍ، مَا فِيهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ الْآخَرَ" (٦).
طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عُتْبة بن عبد السلمي
(٢) في أ: "وكيف حالهم".
(٣) في أ: "وحدثنا عبد الله".
(٤) في م، أ: "بن العباس".
(٥) في أ: "عن مائتي".
(٦) ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٤٧٦) من طريق الربيع، عن بشر بن بكر عَنْ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قال: كان أصحاب رسول الله فذكر مثله، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".