قُلْتُ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَر هَذَا هُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ الْوَاسِطِيُّ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُلَقَّبُ بدُحَيْم، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْك، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ ابنٍ لَأَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ يُغَنِّينَ فِي الْجَنَّةِ: نَحْنُ الْجِوَارُ الْحِسَانُ، خُلِقْنَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامٍ" (١).
وَقَوْلُهُ: ﴿لأصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ أَيْ: خُلِقْنَا لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ، أَوِ: ادُّخِرْنَ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ، أَوْ: زُوِّجْنَ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا. لأصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ فَتَقْدِيرُهُ: أَنْشَأْنَاهُنَّ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ. وَهَذَا تَوْجِيهُ ابْنِ جَرِيرٍ (٢).
رُوِي عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّاراني -رَحِمَهُ اللَّهُ-قَالَ: صليتُ لَيْلَةً، ثُمَّ جَلَسْتُ أَدْعُو، وَكَانَ البردُ شَدِيدًا، فَجَعَلْتُ أَدْعُو بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، فَأَخَذَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ حَوْرَاءَ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا وَهِيَ تَقُولُ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، أَتَدْعُو بِيَدٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَا أُغذَّى لَكَ فِي النَّعِيمِ مِنْ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ!
قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿لأصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿أَتْرَابًا لأصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ أَيْ: فِي أَسْنَانِهِمْ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارة بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَة، عَنْ أَبِي هُرَيرة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى ضَوْءِ أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرّيّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمُ الألُوّة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خَلْق رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ" (٣).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ -وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ-عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَان، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَدْخُلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ جُردا مُردًا بِيضًا جِعادًا مُكَحَّلين، أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، وَهُمْ عَلَى خَلْق آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ" (٤).
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ عِمَرَانَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم، عَنْ مُعَاذ بْنِ جَبَل، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَدْخُلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ جُردًا مُردًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً". ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غريب (٥)
(٢) تفسير الطبري (٢٧/١٠٩).
(٣) صحيح البخاري برقم (٣٣٢٧) وصحيح مسلم برقم (٢٨٣٤).
(٤) المسند (٢/٢٩٥) والمعجم الأوسط برقم (٤٨٩٤) "مجمع البحرين".
(٥) سنن الترمذي برقم (٢٥٤٥).