وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ الرَّوْحَ: الِاسْتِرَاحَةُ.
وَقَالَ أَبُو حَزْرَة: الرَّاحَةُ مِنَ الدُّنْيَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَالسُّدِّيُّ: الرَّوْحُ: الْفَرَحُ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ : جَنَّةٌ وَرَخَاءٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فَرَوْحٌ وَرَحْمَةٌ (١). وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ﴿وَرَيْحَانٌ﴾ : وَرِزْقٌ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَةٌ صَحِيحَةٌ، فَإِنَّ مَنْ مَاتَ مُقَرَّبًا حَصَلَ لَهُ جميعُ ذَلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالرَّاحَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ، وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ وَالرِّزْقِ الْحَسَنِ، ﴿وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: لَا يُفَارِقُ أَحَدٌ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ حَتَّى يُؤْتَى بِغُصْنٍ مِنْ رَيْحَانِ الْجَنَّةِ، فَيُقْبَضَ رُوحُهُ فِيهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: لَا يَمُوتُ أحدٌ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَعْلَمَ: أَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ هُوَ أَمْ [مِنْ] (٢) أَهْلِ النَّارِ؟
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَحَادِيثَ الِاحْتِضَارِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ] ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٧]، (٣)، وَلَوْ كُتِبَتْ هَاهُنَا لَكَانَ حَسَنًا! وَمِنْ جُمْلَتِهَا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "يَقُولُ اللَّهُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ: انْطَلِقْ إِلَى فُلَانٍ (٤) فَأْتِنِي بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ جَرَّبْتُهُ بِالسَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ فَوَجَدْتُهُ حَيْثُ أُحِبُّ، ائْتِنِي بِهِ فَلَأُرِيحَنَّهُ. قَالَ: فَيَنْطَلِقُ إِلَيْهِ مَلَكُ الْمَوْتِ وَمَعَهُ خَمْسُمِائَةٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، مَعَهُمْ أَكْفَانٌ وحَنُوط مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَعَهُمْ ضَبَائر الرَّيْحَانِ، أَصِلُ الرَّيْحَانَةِ وَاحِدٌ وَفِي رَأْسِهَا عِشْرُونَ لَوْنًا، لِكُلِّ لَوْنٍ مِنْهَا رِيحٌ سِوَى رِيحِ صَاحِبِهِ، وَمَعَهُمُ الْحَرِيرُ الْأَبْيَضُ فِيهِ الْمِسْكُ".
وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ (٥)، وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: قَالَ (٦) الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ، عَنْ بُدَيل بْنِ مَيْسَرَةَ (٧)، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيق، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ: ﴿فَرُوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ بِرَفْعِ الرَّاءِ.
وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ هَارُونَ -وَهُوَ ابْنُ مُوسَى الْأَعْوَرُ-بِهِ (٨)، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ.
وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ قِرَاءَةُ يَعْقُوبَ وَحْدَهُ، وَخَالَفَهُ الْبَاقُونَ فقرؤوا: ﴿فَرَوْحٌ﴾ بفتح الراء.

(١) في أ: "فروح وريحان".
(٢) زيادة من أ.
(٣) زيادة من م.
(٤) في م، أ: "إلى وليي".
(٥) انظر: تفسير سورة إبراهيم الآية: ٢٧.
(٦) في م: "فقال".
(٧) في أ: "بن قيس".
(٨) المسند (٦/٦٤) وسنن أبي داود برقم (٣٩٩١) وسنن الترمذي برقم (٢٩٣٨) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٥٦٦).


الصفحة التالية
Icon