وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ: "أَضَلَّ اللَّهُ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا (١) فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتَ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ. فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ بَيْنَهُمْ (٢) قَبْلَ الْخَلَائِقِ".
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاجْتِمَاعِ لِعِبَادَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أَيِ: اقْصِدُوا وَاعْمَدُوا (٣) وَاهْتَمُّوا فِي مَسيركم إِلَيْهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بالسعي هاهنا الْمَشْيُ السَّرِيعُ، وَإِنَّمَا هُوَ الِاهْتِمَامُ بِهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٩] وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقْرَآنِهَا: "فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ". فَأَمَّا الْمَشْيُ السَّرِيعُ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ، لِمَا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيرة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلَا تُسرِعوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". لَفَظُ الْبُخَارِيِّ (٤)
وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ جَلَبة رِجَالٍ، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: "مَا شَأْنُكُمْ؟ ". قَالُوا: اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: "فَلَا تَفْعَلُوا، إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَامْشُوا وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ (٥) فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا". أَخْرَجَاهُ (٦)
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَلَكِنِ ائْتُوهَا تَمْشُونَ، وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا".
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ كَذَلِكَ (٧) وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيع، عَنْ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، بِمَثَلِهِ (٨)
قَالَ الْحَسَنُ أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالسَّعْيِ عَلَى الْأَقْدَامِ، وَلَقَدْ نُهُوا أَنْ يَأْتُوا الصَّلَاةَ إِلَّا وَعَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلَكِنْ بِالْقُلُوبِ وَالنِّيَّةِ وَالْخُشُوعِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: أَنْ تَسْعَى بِقَلْبِكَ وَعَمَلِكَ، وَهُوَ الْمَشْيُ إِلَيْهَا، وَكَانَ يتأولُ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ١٠٢] أَيِ: الْمَشْيَ مَعَهُ. رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرِهِمَا نَحْوُ ذَلِكَ.
ويستحَب لِمَنْ جَاءَ الْجُمُعَةَ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ مَجِيئِهِ إِلَيْهَا، لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا جَاءَ أحدُكم الجمعةَ فَلْيغتسل" (٩)

(١) بعدها في أ: "ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ".
(٢) في م، أ: "لهم".
(٣) في أ: "واعبدوا".
(٤) صحيح مسلم برقم (٨٥٦).
(٥) في م: "فعليكم السكينة والوقار".
(٦) صحيح البخاري برقم (٦٣٦) وصحيح مسلم برقم (٦٠٢).
(٧) سنن الترمذي برقم (٣٢٨).
(٨) سنن الترمذي برقم (٣٢٧).
(٩) صحيح البخاري برقم (٨٧٧) وصحيح مسلم برقم (٨٤٤).


الصفحة التالية
Icon