الْمَخْزُومِيُّ فَقَالَتْ: إِنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ أَرْسَلَ إِلَيَّ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ فِي جَيْشٍ إِلَى الْيَمَنِ بِطَلَاقِي، فَسَأَلْتُ أَوْلِيَاءَهُ النَّفَقَةَ عَلَيَّ وَالسُّكْنَى، فَقَالُوا: مَا أَرْسَلَ إِلَيْنَا فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَا أَوْصَانَا بِهِ. فَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ أَرْسَلَ إِلَيَّ بِطَلَاقِي، فَطَلَبْتُ السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ عَلَيَّ، فَقَالَ: أَوْلِيَاؤُهُ: لَمْ يُرْسِلْ إِلَيْنَا فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَةٌ، فَإِذَا كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى".
وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (١) عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الصُّوفِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ الْفَضْلِ بْنِ دُكَيْن، عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ الْأَحْمَسِيُّ البَجَلي الْكُوفِيُّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: وَهُوَ شَيْخٌ، يَرْوِي عَنْهُ (٢)
﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (٣) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى: فَإِذَا بَلَغَتِ الْمُعْتَدَّاتُ أَجَلَّهُنَّ، أَيْ: شَارَفْنَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَارَبْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَمْ تَفْرُغِ الْعِدَّةُ بِالْكُلِّيَّةِ، فَحِينَئِذٍ إِمَّا أَنْ يَعْزِمَ الزَّوْجُ عَلَى إِمْسَاكِهَا، وَهُوَ رَجْعَتُهَا إِلَى عِصْمَةِ نِكَاحِهِ وَالِاسْتِمْرَارُ بِهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ عِنْدَهُ. ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ أَيْ: مُحْسِنًا إِلَيْهَا فِي صُحْبَتِهَا، وَإِمَّا أَنْ يَعْزِمَ عَلَى مُفَارَقَتِهَا ﴿بِمَعْرُوفٍ﴾ أَيْ: مِنْ غَيْرِ مُقَابَحَةٍ وَلَا مُشَاتَمَةٍ وَلَا تَعْنِيفٍ، بَلْ يُطَلِّقُهَا عَلَى وَجْهٍ جَمِيلٍ وَسَبِيلٍ حَسَنٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ أَيْ: عَلَى الرَّجْعَةِ إِذَا عَزَمتم عَلَيْهَا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ عِمْرَانَ (٣) بْنِ حُصَين: أَنَّهُ سُئِل عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يَقَعُ بِهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا وَلَا عَلَى رَجْعَتِهَا فَقَالَ: طَلَّقتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، وَرَجَعْتَ لغير سنة، وأشهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا وَعَلَى رَجْعَتِهَا، وَلَا تَعُدْ (٤) (٥)
وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: كَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ قَالَ: لَا يَجُوزُ فِي نِكَاحٍ وَلَا طَلَاقٍ وَلَا رِجَاعٍ إِلَّا شَاهِدَا عَدْلٍ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ عُذْرٍ.
وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي أَمَرْنَاكُمْ بِهِ مِنَ الْإِشْهَادِ وَإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، إِنَّمَا يَأْتَمِرُ بِهِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَأَنَّهُ شَرَّعَ هَذَا، وَمَنْ يَخَافُ عِقَابَ (٦) اللَّهِ في الدار الآخرة.

(١) المعجم الكبير (٢٤/٣٨٢) وسنن النسائي (٦/١٤٤).
(٢) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (٤/٧٤).
(٣) في م: "عن عمرو"
(٤) في أ: "ولا تعتد".
(٥) سنن أبي داود برقم (٢١٨٦) وسنن ابن ماجة برقم (٢٠٢٥).
(٦) في م: "ويخاف عذاب".


الصفحة التالية
Icon