وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُلَيَّة، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَرَّمَ، فعُوتِبَ فِي التَّحْرِيمِ، وَأُمِرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ، وَغَيْرِهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، نَفْسِهِ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمُ الضَّحَّاكُ، وَالْحَسَنُ، وقَتَادَةُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَرَوَى الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقِصَّةَ مُطَوَّلَةً.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْد اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَنِ الْمَرْأَتَانِ؟ قَالَ: عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ. وَكَانَ بَدْءُ الْحَدِيثِ فِي شَأْنِ أَمِّ إِبْرَاهِيمَ الْقِبْطِيَّةِ، أَصَابَهَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فِي نَوْبَتِهَا (١) فَوَجَدت حَفْصَةُ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، لَقَدْ جِئْتَ إليَّ شَيْئًا مَا جِئْتَ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِكَ، فِي يَوْمِي، وَفِي دَوْرِي، وَعَلَى فِرَاشِي. قَالَ: "أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلَا أَقْرَبَهَا؟ ". قَالَتْ: بَلَى. فحَرَّمها وَقَالَ: "لَا تَذْكُرِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ". فَذَكَرَتْهُ لِعَائِشَةَ، فَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ﴾ الْآيَاتِ (٢) فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفَّر [عَنْ] (٣) يَمِينِهِ، وَأَصَابَ جَارِيَتَهُ (٤).
وَقَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيب فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو قِلابة عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَفْصَةَ: "لَا تُخْبِرِي أَحَدًا، وَإِنَّ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ عليَّ حَرَامٌ". فَقَالَتْ: أَتُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ؟ قَالَ: "فَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُهَا". قَالَ: فَلَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى أَخْبَرَتْ عَائِشَةَ. قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَقَدِ اخْتَارَهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ (٥).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْضًا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائي قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ يَحْيَى يُحَدِّثُ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ: يَمِينٌ تُكَفِّرُهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الْأَحْزَابِ: ٢١] يَعْنِي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ جَارِيَتَهُ فَقَالَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾ ؟ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ فَكَفَّرَ يَمِينَهُ، فَصَيَّرَ الْحَرَامَ يَمِينًا (٦).
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ هِشَامٍ -هُوَ الدَّسْتَوَائِيُّ-عَنْ يَحْيَى -هُوَ ابْنُ كَثِيرٍ-عَنِ ابْنِ حَكِيمٍ -وَهُوَ يَعْلَى-عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْحَرَامِ: يمين تُكَفر. وقال

(١) في أ: "في يومها".
(٢) في م، أ: "الآيات كلها".
(٣) زيادة من أ.
(٤) تفسير الطبري (٢٨/١٠٢) وأصله في الصحيح وسيأتي.
(٥) المختارة للضياء المقدسي برقم (١٨٩).
(٦) تفسير الطبري (٢٨/١٠١).


الصفحة التالية
Icon