قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ يَقُولُ: أَدِّبُوهُمْ، عَلموهم.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ يَقُولُ: اعْمَلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَاتَّقُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ، ومُروا أَهْلِيكُمْ بِالذِّكْرِ، يُنْجِيكُمُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ قَالَ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَوْصُوا أَهْلِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ..
وَقَالَ قَتَادَةُ: يَأْمُرُهُمْ بِطَاعَةِ اللَّهِ، وَيَنْهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَأَنْ يقومَ عَلَيْهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ وَيُسَاعِدَهُمْ عَلَيْهِ، فَإِذَا رَأَيْتَ لِلَّهِ مَعْصِيَةً، قَدعتهم عَنْهَا وَزَجَرْتَهُمْ عَنْهَا.
وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَمُقَاتِلٌ: حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُعَلِّمَ أَهْلَهُ، مِنْ قَرَابَتِهِ وَإِمَائِهِ وَعَبِيدِهِ، مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَمَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَة، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، فَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا" (١).
هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ (٢).
قَالَ الْفُقَهَاءُ: وَهَكَذَا فِي الصَّوْمِ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَمْرِينًا لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ، لِكَيْ يَبْلُغَ وَهُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالطَّاعَةِ وَمُجَانَبَةِ الْمَعْصِيَةِ وَتَرْكِ الْمُنْكَرِ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ ﴿وَقُودُهَا﴾ أَيْ: حَطَبُهَا الَّذِي يُلْقَى فِيهَا جُثث بَنِي آدَمَ. ﴿وَالْحِجَارَةُ﴾ قِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْأَصْنَامُ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ لِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ: ٩٨].
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ، وَالسُّدِّيُّ: هِيَ حِجَارَةٌ مِنْ كِبْرِيتٍ -زَادَ مُجَاهِدٌ: أَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ.
وَرَوَى ذَلِكَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سِنَانٍ الْمِنْقَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي ابْنَ أَبِي رَاَّود-قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ وعنده بعض أصحابه، وفيهم
(٢) سنن أبي داود برقم (٤٩٥).