وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمُ الهَجَري، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "التَّوْبَةُ مِنَ الذَّنْبِ أَنْ يَتُوبَ مِنْهُ، ثُمَّ لَا يَعُودُ فِيهِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمٍ الهَجَري، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ (١) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ هُوَ أَنْ يُقلعَ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْحَاضِرِ، ويندمَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ فِي الْمَاضِي، ويعزِم عَلَى أَلَّا يَفْعَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. ثُمَّ إِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ رَدَّهُ إِلَيْهِ بِطَرِيقِهِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعقِل قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ؟ ". قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ مَرَة: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "النَّدَمُ تَوْبَةٌ".
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمَّار، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيينة، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ -وَهُوَ ابْنُ مَالِكٍ الجَزَريّ-بِهِ (٢).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ بُكَيْر أَبُو خَبَّابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ العَدَوي، عَنْ أَبِي سِنان الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَبِي قِلابة، عَنْ زِرّ بْنِ حُبَيش، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قِيلَ لَنَا أَشْيَاءُ تَكُونُ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عِنْدَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ، مِنْهَا نِكَاحُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فِي دُبُرِهَا، وَذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَمْقُتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ، وَمِنْهَا: نِكَاحُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَمْقُتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ. وَمِنْهَا نِكَاحُ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ، وَذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَمْقُتُ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ. وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ صَلَاةٌ مَا أَقَامُوا عَلَى هَذَا، حَتَّى يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا. قَالَ زِرٌّ: فَقُلْتُ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: فَمَا التَّوْبَةُ النَّصُوحُ؟ فَقَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "هُوَ النَّدَمُ عَلَى الذَّنْبِ حينَ يَفرطُ مِنْكَ، فتستغفرُ اللَّهَ بِنَدَامَتِكَ مِنْهُ عِنْدَ الْحَاضِرِ، ثُمَّ لَا تَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا" (٣).
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ، سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ: أَنْ تُبغِض الذنبَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ، وَتَسْتَغْفِرَ مِنْهُ إِذَا ذَكَرْتَهُ.
فَأَمَّا إِذَا حَزَم بِالتَّوْبَةِ وصَمم عَلَيْهَا فَإِنَّهَا تَجُب مَا قَبْلَهَا مِنَ الْخَطِيئَاتِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: "الْإِسْلَامُ يَجُب مَا قَبْلَهُ، وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا" (٤).
وَهَلْ مِنْ شَرْطِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ الاستمرارُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى الْمَمَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ وَفِي الْأَثَرِ: "لَا يَعُودُ فِيهِ أَبَدًا"، أَوْ يَكْفِي الْعَزْمُ عَلَى أَلَّا يَعُودَ فِي تَكْفِيرِ الماضي، بحيث لو وقع منه
(٢) المسند (١/٣٧٦) وسنن ابن ماجة برقم (٤٢٥٢) وقال البوصيري في الزوائد (٣/٣٠٨) :"هذا إسناد صحيح رجاله ثقات".
(٣) ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (٥٤٥٧) من طريق إسماعيل الصفار، عن الحسن بن عرفة به، وقال: "إسناده ضعيف".
(٤) صحيح مسلم برقم (١٢١) من حديث عمرو بن العاص، رضي الله عنه.