هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِبْرَاهِيمُ ضَعِيفٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي سُورَةِ "يس" وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ بْنُ حُمَيد فِي مَسْنَدِهِ بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا، فَقَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: أَلَا أُتْحِفُكَ بِحَدِيثٍ تَفْرَحُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ اقْرَأْ: " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ " وَعَلِّمْهَا أَهْلَكَ وَجَمِيعَ وَلَدِكَ وَصِبْيَانَ بَيْتِكَ وَجِيرَانَكَ، فَإِنَّهَا الْمُنْجِيَةُ وَالْمُجَادِلَةُ، تُجَادِلُ -أَوْ تُخَاصِمُ-يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّهَا لِقَارِئِهَا، وَتَطْلُبُ لَهُ أَنْ [يُنْجِيَهُ] (١) مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَيُنْجِي بِهَا صَاحِبَهَا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لوددتُ أَنَّهَا فِي قَلْبِ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْ أُمَّتِي" (٢).
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ، فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرِ بْنِ زِيَادٍ، أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ النَّيْسَابُورِيِّ الْمُقْرِئِ الزَّاهِدِ الْفَقِيهِ، أَحَدِ الثِّقَاتِ الَّذِينَ رَوَى عَنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَلَكِنْ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ، وَرَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ. وَعَلَيْهِ تَفَقَّهَ فِي مَذْهَبِ أَبِي عُبَيد بْنِ حَرْبَويه، وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ، سَاقَ بِسَنَدِهِ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ فُرَاتِ بْنِ السَّائِبِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مَاتَ، وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا " تَبَارَكَ "، فَلَمَّا وُضِعَ فِي حُفْرَتِهِ أَتَاهُ المَلَك فَثَارَتِ السُّورَةُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّكِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَكِ، وَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكِ وَلَا لَهُ وَلَا لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا، فَإِنْ أَرَدْتِ هَذَا بِهِ فَانْطَلِقِي إِلَى الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَاشْفَعِي لَهُ. فَتَنْطَلِقُ إِلَى الرَّبِّ فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ فُلَانًا عَمَد إليَّ مِنْ بَيْنِ كِتَابِكَ فتَعَلَّمني وَتَلَانِي أَفَتُحَرِّقُهُ (٣) أَنْتَ بِالنَّارِ وَتُعَذِّبُهُ وَأَنَا فِي جَوْفِهِ؟ فَإِنْ كُنْتَ فَاعِلًا ذَاكَ بِهِ فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ. فَيَقُولُ: أَلَا أَرَاكِ غَضِبْتِ؟ فَتَقُولُ: وحُقّ لِي أَنْ أَغْضَبَ. فَيَقُولُ: اذْهَبِي فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَكِ، وشَفّعتك فِيهِ. قَالَ: فَتَجِيءُ فَيَخْرُجُ الْمَلَكُ، فَيَخْرُجُ كَاسِفَ الْبَالِ لَمْ يَحْلَ مِنْهُ بِشَيْءٍ. قَالَ: فَتَجِيءُ فَتَضَعُ فَاهَا عَلَى فِيهِ، فَتَقُولُ مَرْحَبًا بِهَذَا الْفَمِ، فَرُبَّمَا تَلَانِي، وَمَرْحَبًا بِهَذَا الصَّدْرِ، فَرُبَّمَا وَعَانِي، وَمَرْحَبًا بِهَاتَيْنِ الْقَدَمَيْنِ، فَرُبَّمَا قَامَتَا بِي. وَتُؤْنِسُهُ فِي قَبْرِهِ مَخَافَةَ الْوَحْشَةِ عَلَيْهِ". قَالَ: فَلَمَّا حَدّث بِهَذَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْقَ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ وَلَا حُرّ وَلَا عَبْدٌ، إِلَّا تَعَلَّمَهَا، وَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُنْجِيَةَ (٤).
قُلْتُ: وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ جِدًّا، وَفُرَاتُ بْنُ السَّائِبِ هَذَا ضَعَّفَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَالْبُخَارِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، مِنْ قَوْلِهِ مُخْتَصَرًا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ "إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ" عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا مَا يَشْهَدُ لِهَذَا (٥) وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ من الأحكام الكبرى، ولله الحمد (٦).

(١) زيادة من م، أ.
(٢) ذكره البوصيري في إتحاف المهرة (ق ٢١٤ سليمانية) من مسند عبد بن حميد.
(٣) في أ: "أفتجزيه".
(٤) تاريخ دمشق (٢/٢٥٦ "المخطوط").
(٥) إثبات عذاب القبر للبيهقي برقم (٩٩) وقد فصل الكلام عليه الفاضل محمد طرهوني في موسوعة فضائل القرآن (٢/١٩٣).
(٦) في أ: "ولله الحمد والمنة والثناء الحسن الجميل".


الصفحة التالية
Icon