وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الزَّنِيمِ: قَالَ: نُعِتَ فَلَمْ يُعْرَفْ حَتَّى قِيلَ: زَنِيمٌ. قَالَ: وَكَانَتْ لَهُ زَنَمَةٌ فِي عُنُقِهِ يُعرَف بِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: كَانَ دَعيًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَصْحَابِ التَّفْسِيرِ قَالُوا (١) هُوَ الَّذِي تَكُونُ لَهُ زَنَمَة مِثْلُ زَنَمَةِ الشَّاةِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَتْ لَهُ زَنَمَة فِي أَصْلِ أُذُنِهِ، وَيُقَالُ: هُوَ اللَّئِيمُ الْمُلْصَقُ فِي النَّسَبِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الْمُرِيبُ الَّذِي يُعْرَفُ بِالشَّرِّ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الزَّنِيمُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهَذَا الْوَصْفِ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ. وَقَالَ أَبُو رَزِين: الزَّنِيمُ عَلَامَةُ الْكُفْرِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الزَّنِيمُ الَّذِي يُعْرَفُ بِاللُّؤْمِ كَمَا تُعْرَفُ الشَّاةُ بِزَنَمَتِهَا.
وَالْأَقْوَالُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَتَرْجِعُ إِلَى مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ أَنَّ الزَّنِيمَ هُوَ: الْمَشْهُورُ بِالشَّرِّ، الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ مِنْ بَيْنِ الناس، وغالبًا يكون دعيًا وله زِنًا، فَإِنَّهُ فِي الْغَالِبِ يَتَسَلَّطُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ مَا لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَلَدُ زِنًا" (٢) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلَاثَةِ إِذَا عَمِلَ بِعَمَلِ أَبَوَيْهِ" (٣).
وَقَوْلُهُ: ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى: هَذَا مُقَابَلَةُ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ وَالْبَنِينَ، كَفَرَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَعْرَضَ عَنْهَا، وَزَعَمَ أَنَّهَا كَذب مَأْخُوذٌ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ، كَقَوْلِهِ: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ [المدثر: ١١ -٢٦]. قال تعالى هاهنا: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: سَنَبِينُ أَمْرَهُ بَيَانًا وَاضِحًا، حَتَّى يَعْرِفُوهُ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ، كَمَا لَا تَخْفَى السِّمَةُ عَلَى الْخَرَاطِيمِ (٤) وَهَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ شَيْنٌ لا يفارقه آخر ما عليه.
(٢) رواه الإمام أحمد في المسند (٢/٢٠٣) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رَضِيَ الله عنه، ورواه النسائي في السنن الكبرى برقم (٤٩٢٥، ٤٩٢٦) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه، وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (٣/١١١) قال: "وفيه مخالفة للأصول وأعظمها قوله تعالى: "ولا تزر وازرة أخرى". قال الإمام ابن القيم متعقبًا على ابن الجوزي في المنارالمنيف (ص١٣٣) :"ليست معرضة بها إن صحت، فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه، بل لأن النطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب، ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة، فإن كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص، وقد ورد في ذمة: "أنه شر الثلاثة" وهو حديث حسن ومعناه صحيح بهذا الاعتبار، فإن شر الأبوين عارض، وهذه نطفة خبيثة فشره في أصله وشر الأبوين في فعلهما". قلت: ويوجه أيضًا بالتقييد الذي في حديث عائشة الآتي بأنه شر الثلاثة إذا عمل عمل أبويه، وكلام ابن الجوزي منطبق على حديث: "ولد الزنا في النار إلى سبعة أبناء". وهو موضوع.
(٣) رواه الإمام أحمد (٦/١٠٩) من حديث عائشة، رضي الله عنها، و (٢/٣١١) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(٤) في م: "على الخرطوم".