يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا فِي زَمَنِ (١) النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مُشَاهِدُونَ لَهُ، وَلِمَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَمَا أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَاتِ، ثُمَّ هُمْ مَعَ هَذَا كُلِّهِ فَارُّونَ مِنْهُ، مُتَفَرِّقُونَ عَنْهُ، شَارِدُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا فِرَقًا فِرَقًا، وشِيعًا شِيعًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ﴾ [الْمُدَّثِّرِ: ٤٩، ٥١] الْآيَةَ وَهَذِهِ مِثْلُهَا؛ فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾ أَيْ: فَمَا لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الَّذِينَ عِنْدَكَ يَا مُحَمَّدُ ﴿مُهْطِعِينَ﴾ أَيْ مُسْرِعِينَ نَافِرِينَ مِنْكَ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿مُهْطِعِينَ﴾ أَيْ: مُنْطَلِقِينَ، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ وَاحِدُهَا عزَةٌ، أَيْ: مُتَفَرِّقِينَ. وَهُوَ حَالٌ مِنْ مُهْطِعِينَ، أَيْ: فِي حَالِ تَفَرُّقِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ: فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ، مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ، مُتَّفِقُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ الْكِتَابِ.
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾ قَالَ: قَبِلَكَ يَنْظُرُونَ، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ قَالَ: الْعِزِينُ: العُصَب مِنَ النَّاسِ، عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ مُعْرِضِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ. حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنِ الْحَسَنِ (٢) فِي قَوْلِهِ: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ مُتَفَرِّقِينَ، يَأْخُذُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا يَقُولُونَ: مَا قَالُ هَذَا الرَّجُلُ؟
وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿مُهْطِعِينَ﴾ عَامِدِينَ، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ﴾ أَيْ: فِرَقًا حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْغَبُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَشُعْبَةُ، وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وعَبْثَر بْنُ الْقَاسِمِ (٣) وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، ووَكِيع، وَيَحْيَى الْقَطَّانُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ (٤) وَهُمْ حِلَقٌ، فَقَالَ: "مَا لِي أَرَاكُمْ عِزِينَ؟ "
رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَمُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، به (٥)
(٢) في م: "عن الحسين".
(٣) في م: "وعبثر بن القاسم وعيسى بن يونس".
(٤) في م: "خرج على أصحابه".
(٥) المسند (٥/٩٣) وصحيح مسلم برقم (٤٣٠) وسنن أبي داود برقم (٤٨٢٣) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٦٢٢) وتفسير الطبري (٢٩/٥٤).