زُمّلتَ الْقُرْآنَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿نِصْفَهُ﴾ بَدَلٌ مِنَ اللَّيْلِ ﴿أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا. أَوْ زِدْ عَلَيْهِ﴾ أَيْ: أَمَرْنَاكَ أَنْ تَقُومَ نِصْفَ اللَّيْلِ بِزِيَادَةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ قَلِيلٍ، لَا حَرَجَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا﴾ أَيِ: اقْرَأْهُ عَلَى تَمَهُّلٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَوْنًا عَلَى فَهْمِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ. وَكَذَلِكَ كَانَ يَقْرَأُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ يَقْرَأُ السُّورَةَ فَيُرَتِّلُهَا، حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلِ مِنْهَا. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَتْ مَدًّا، ثُمَّ قَرَأَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ، وَيَمُدُّ الرَّحْمَنِ، وَيَمُدُّ الرَّحِيمِ. (١)
وَقَالَ ابْنُ جُرَيج، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكة عَنِ أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّهَا سُئلت عَنْ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: كَانَ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً، ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ. (٢)
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُقَالُ لِصَاحِبِ (٣) الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وارْقَ، ورَتِّل كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا".
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ (٤) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ التَّفْسِيرِ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّرْتِيلِ وَتَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "زَيِّنوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ"، وَ "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ"، وَ "لَقَدْ أُوتِيَ هذا مزمار مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ" يَعْنِي: أَبَا مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّكَ كُنْتَ تَسْمَعُ قِرَاءَتِي لحبَّرْته لَكَ تَحْبِيرًا. (٥)
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الرَّمْلِ (٦) وَلَا تَهُذُّوهُ هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلَا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ. رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ. (٧)
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ (٨) اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ. فَقَالَ: هَذًّا كَهَذِّ الشِّعْرِ. لَقَدْ عرفت
(٢) المسند (٦/٣٠٢)، وسنن أبي داود برقم (٤٠٠١)، والشمائل للترمذي برقم (٢٩٩).
(٣) في م: "لقارئ".
(٤) المسند (٢/١٩٢) وسنن أبي داود برقم (١٤٦٤)، وسنن الترمذي برقم (٢٩١٤)، وسنن النسائي الكبرى برقم (٨٠٥٦).
(٥) انظر هذه الأحاديث في: فضائل القرآن في المقدمة.
(٦) في أ: "الدقل".
(٧) معالم التنزيل للبغوي (٨/٢١٥).
(٨) في أ: "المعضل".