رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئطّ، مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ" (١).
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَاذَ (٢) حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاذٍ الْفَضْلُ بْنُ خَالِدٍ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَاهِلِيُّ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ مُزَاحِمٍ، يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ [الصاقات: ١٦٤-١٦٦]. (٣).
وَهَذَا مَرْفُوعٌ (٤) غَرِيبٌ جِدًّا ثُمَّ رَوَاهُ (٥) عَنْ مَحْمُودِ بْنِ آدَمَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مِنَ السَّمَاوَاتِ سَمَاءً مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ أَوْ قَدَمَاهُ قَائِمًا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ (٦).
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَيَّارٍ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أُمِّهِ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عُثْمَانَ (٧) بْنِ عَطِيَّةَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ [مِنْ بَنِي] (٨) سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ. حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ بَنِي الْحُبُلِيِّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الرَّبِيعِ، مَنْ بَنِي سَالِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلَاءِ، مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ الْعَلَاءِ بْنِ سَعْدٍ -وَقَدْ شَهِدَ الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ-أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمًا لِجُلَسَائِهِ: "هَلْ تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟ " قَالُوا: وَمَا تَسَمَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "أطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئط، إِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ قَدَم إِلَّا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ قَائِمٌ أَوْ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ، وقالَ الْمَلَائِكَةُ: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ (٩) وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا [مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا] (١٠) إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الفَروي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ديناره، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ عُمَرَ جَاءَ وَالصَّلَاةُ قَائِمَةٌ، وَنَفَرٌ ثَلَاثَةٌ جُلُوسٌ، أَحَدُهُمْ أَبُو جَحْشٍ اللَّيْثِيُّ، فَقَالَ: قُومُوا فَصَلُّوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَامَ اثْنَانِ وَأَبَى أَبُو جَحْشٍ أَنْ يَقُومَ، وَقَالَ: لَا أَقُومُ حَتَّى يَأْتِيَ رَجُلٌ هُوَ أَقْوَى مِنِّي ذِرَاعَيْنِ، وَأَشَدُّ مِنِّي بَطْشًا فَيَصْرَعُنِي، ثُمَّ يَدس وَجْهِي فِي التُّرَابِ. قَالَ عُمَرُ: فَصَرَعْتُهُ وَدَسَسْتُ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَحَجَزَنِي عَنْهُ، فَخَرَجَ عُمَرُ مُغْضَبًا حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فقال: "مَا رَأيَكَ يَا أَبَا حَفْصٍ؟ ". فَذَكَرَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إن رضى

(١) تعظيم قدر الصلاة للمروزي برقم (٢٤٨).
(٢) في م: "مهزاذ".
(٣) تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٥٣).
(٤) في أ: "وهذا مرفوعا" وهو خطأ.
(٥) في م: "ثم رواه".
(٦) تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٥٤).
(٧) في هـ: "عمر".
(٨) زيادة من م.
(٩) تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٥٥).
(١٠) زيادة من تعظيم قدر الصلاة (٢٥٦).

عُزَرْيَا وَمِيشَائِيلُ، فَأَوْقَدَ لَهُمْ أَتُّونًا وَأَلْقَى فِيهِ الْحَطَبَ وَالنَّارَ، ثُمَّ أَلْقَاهُمَا فِيهِ، فَجَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمَا بَرْدًا وَسَلَامًا، وَأَنْقَذَهُمَا مِنْهَا، وَأَلْقَى فِيهَا الَّذِينَ بَغَوْا عَلَيْهِ وَهُمْ تِسْعَةُ رَهْطٍ، فَأَكَلَتْهُمُ النَّارُ.
وَقَالَ أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ﴾ قَالَ: كَانَتِ الْأُخْدُودُ ثَلَاثَةً: خَدّ بِالْعِرَاقِ، وخَدّ بِالشَّامِ، وخَدّ بِالْيَمَنِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَعَنْ مُقَاتِلٍ قَالَ: كَانَتِ الْأُخْدُودُ ثَلَاثَةً: وَاحِدَةٌ بِنَجْرَانَ بِالْيَمَنِ، وَالْأُخْرَى بِالشَّامِ، وَالْأُخْرَى بِفَارِسَ، أَمَّا الَّتِي بِالشَّامِ فَهُوَ أَنْطَنَانُوسُ الرُّومِيُّ، وَأَمَّا الَّتِي بِفَارِسَ فَهُوَ بُخْتُنَصَّرُ، وَأَمَّا الَّتِي بِأَرْضِ الْعَرَبِ فَهُوَ يُوسُفُ ذُو نُوَاسٍ. فَأَمَّا الَّتِي بِفَارِسَ وَالشَّامِ فَلَمْ يُنْزِلِ اللَّهُ فِيهِمْ قُرْآنًا، وَأَنْزَلَ فِي الَّتِي كَانَتْ بِنَجْرَانَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّشْتَكي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ-هُوَ ابْنُ أَنَسٍ-فِي قَوْلِهِ: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ﴾ قَالَ: سَمِعْنَا أَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فِي زَمَانِ الْفَتْرَةِ فَلَمَّا رَأَوْا مَا وَقَعَ فِي النَّاسِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ وَصَارُوا أَحْزَابًا، ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٣، الرُّومُ: ٣٢]، اعْتَزَلُوا إِلَى قَرْيَةٍ سَكَنُوهَا، وَأَقَامُوا عَلَى عِبَادَةِ الله ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ﴾ [الْبَيِّنَةِ: ٥]، وَكَانَ هَذَا أَمْرُهُمْ حَتَّى سَمِعَ بِهِمْ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَّارِينَ، وحُدّث حَدِيثَهُمْ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا الْأَوْثَانَ الَّتِي اتَّخَذُوا (١) وَأَنَّهُمْ أَبَوْا عَلَيْهِ كُلُّهُمْ وَقَالُوا: لَا نَعْبُدُ إِلَّا اللَّهِ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ. فَقَالَ لَهُمْ: إِنْ لَمْ تَعْبُدُوا هَذِهِ الْآلِهَةَ الَّتِي عبدتُ فَإِنِّي قَاتِلُكُمْ. فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فخَدَّ أُخْدُودًا مِنْ نَارٍ، وَقَالَ لَهُمُ الْجَبَّارُ-وَوَقَفهم عَلَيْهَا-: اخْتَارُوا هَذِهِ أَوِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ. فَقَالُوا: هَذِهِ أَحَبُّ إِلَيْنَا. وَفِيهِمْ نِسَاءٌ وَذُرِّيَّةٌ، فَفَزِعَتِ الذُّرِّيَّةُ، فَقَالُوا لَهُمْ: لَا نَارَ مِنْ بَعْدِ الْيَوْمِ. فَوَقَعُوا فِيهَا، فَقُبِضَتْ أَرْوَاحُهُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمَسَّهُمْ حَرّهُا، وَخَرَجَتِ النَّارُ مِنْ مَكَانِهَا فَأَحَاطَتْ بِالْجَبَّارِينَ، فَأَحْرَقَهُمُ اللَّهُ بِهَا، فَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد﴾
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ: حُدِّثت عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، بِهِ نَحْوَهُ (٢).
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ أَيْ: حَرقوا (٣) قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ أبْزَى.
﴿ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا﴾ أَيْ: لَمْ يُقْلِعُوا عَمَّا فَعَلُوا، وَيَنْدَمُوا عَلَى مَا أَسْلَفُوا.
﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ. قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَرَمِ وَالْجُودِ، قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ.
﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢) ﴾
(١) في أ: "التي لتخذوها".
(٢) تفسير الطبري (٣٠/٨٨).
(٣) في م: "حرقوا بالنار".


الصفحة التالية
Icon