وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ وَلَوْ جَادَلَ عَنْهَا فَهُوَ بَصِيرٌ عَلَيْهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ وَلَوِ اعْتَذَرَ يَوْمَئِذٍ بِبَاطِلٍ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ حُجَّتَهُ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ يَقُولُ: لَوْ أَلْقَى ثِيَابَهُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَلَوْ أَرْخَى سُتُورَهُ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمَّوْنَ السِّتْرَ: الْمِعْذَارَ.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَصْحَابِهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢٣] وَكَقَوْلِهِ ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: ١٨].
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ هِيَ الِاعْتِذَارُ (١) أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَالَ: ﴿لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [غَافِرٍ: ٥٢] وَقَالَ ﴿وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ [النَّحْلِ: ٨٧] ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [النَّحْلِ: ٢٨] وَقَوْلُهُمْ ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾
﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩) ﴾

(١) في أ: "هي الأعذار".

﴿كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (٢٥) ﴾
هَذَا تَعْلِيمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَيْفِيَّةِ تَلَقِّيهِ الْوَحْيِ مِنَ الْمَلَكِ، فَإِنَّهُ كَانَ يُبَادِرُ إِلَى أَخْذِهِ، وَيُسَابِقُ الْمَلَكَ فِي قِرَاءَتِهِ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا جَاءَهُ الْمَلَكُ بِالْوَحْيِ أَنْ يَسْتَمِعَ لَهُ، وَتَكَفَّلَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَهُ فِي صَدْرِهِ، وَأَنْ يُيَسِّرَهُ لِأَدَائِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَلْقَاهُ إِلَيْهِ، وَأَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُ وَيُفَسِّرَهُ وَيُوَضِّحَهُ. فَالْحَالَةُ (١) الْأُولَى جَمْعُهُ فِي صَدْرِهِ، وَالثَّانِيَةُ تِلَاوَتُهُ، وَالثَّالِثَةُ تَفْسِيرُهُ وَإِيضَاحُ مَعْنَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ أَيْ: بِالْقُرْآنِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤].
ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ أَيْ: فِي صَدْرِكَ، ﴿وَقُرْآنَهُ﴾ أَيْ: أَنْ تَقْرَأَهُ، ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ﴾ أَيْ: إِذَا تَلَاهُ عَلَيْكَ الْمَلَكُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ﴿فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ أَيْ: فَاسْتَمَعْ لَهُ، ثُمَّ اقْرَأْهُ كَمَا أَقْرَأَكَ، ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ أَيْ: بَعْدَ حِفْظِهِ وَتِلَاوَتِهِ نُبَيِّنُهُ لَكَ وَنُوَضِّحُهُ، وَنُلْهِمُكَ مَعْنَاهُ عَلَى مَا أَرَدْنَا وَشَرَعْنَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي عَوَانة، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً، فَكَانَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ -قَالَ: فَقَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: أَنَا أُحَرِّكُ شَفَتَيَّ (٢) كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ. وَقَالَ
(١) في م: "فالحال".
(٢) في أ: "أنا أحركهما".


الصفحة التالية
Icon