﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (٤١) وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٤٢) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٤٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٥) كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (٤٦) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٧) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (٤٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٤٩) فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (٥٠) ﴾
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عِبَادِهِ الْمُتَّقِينَ (١) الَّذِينَ عَبَدُوهُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ: إِنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُونَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، أَيْ: بِخِلَافِ مَا أُولَئِكَ الْأَشْقِيَاءُ فِيهِ، مِنْ ظِلِّ الْيَحْمُومِ، وَهُوَ الدُّخَانُ الْأَسْوَدُ الْمُنْتِنُ.
﴿وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ أَيْ: مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ، مَهْمَا طَلَبُوا وَجَدُوا. ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ أَيْ: هَذَا حَزَّاؤُنَا لِمَنْ أَحْسَنَ الْعَمَلَ، ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾
وَقَوْلُهُ: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ﴾ خِطَابٌ لِلْمُكَذِّبِينَ بِيَوْمِ الدِّينِ، وأمَرَهم أَمْرَ تَهْدِيدٍ وَوَعِيدٍ فَقَالَ تَعَالَى: ﴿كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا﴾ أَيْ: مُدَّةً قَلِيلَةً قَرِيبَةً قَصِيرَةً، ﴿إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ﴾ أَيْ: ثُمَّ تُسَاقُونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [لُقْمَانَ: ٢٤] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يُونُسَ: ٦٩، ٧٠]
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ﴾ أَيْ: إِذَا أَمَرَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةَ مِنَ الْكُفَّارِ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمَصَلِّينِ مَعَ الْجَمَاعَةِ، امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾
ثُمَّ قَالَ: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ ؟ أَيْ: إِذَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَبِأَيِّ كَلَامٍ يُؤْمِنُونَ بِهِ؟! كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ [الْجَاثِيَةِ: ٦].
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ: سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرَابِيًّا بَدَويا يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ إِذَا قَرَأَ: ﴿وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفًا﴾ فَقَرَأَ: ﴿فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ﴾ ؟ فَلْيَقُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ وَبِمَا أَنْزَلَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي سُورَةِ "الْقِيَامَةِ" (٢).
آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ "وَالْمُرْسَلَاتِ" [ولله الحمد والمنة] (٣)
(٢) تقدم تخريج الحديث عند تفسير الآية الأخيرة من سورة القيامة من رواية الترمذي وأبي داود.
(٣) زيادة من م، أ.