وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ عَجِيبٌ. وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ: "لَا يَرْكَبُ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجٌّ أَوْ مُعْتَمِرٌ أَوْ غَازٍ، فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا، وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرًا" الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ "فَاطِرٍ" (١).
وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ: ﴿سُجِّرَت﴾ أُوقِدَتْ. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَبِسَتْ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ: غَاضَ مَاؤُهَا فَذَهَبَ وَلَمْ يُبْقِ فِيهَا قَطْرَةً. وَقَالَ الضَّحَّاكُ أَيْضًا: ﴿سُجِّرَتْ﴾ فُجِّرَتْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: فُتِحَتْ وَسُيِّرَتْ. وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيم (٢) ﴿سُجِّرَتْ﴾ فَاضَتْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ أَيْ: جُمِعَ كُلُّ شَكْلٍ إِلَى نَظِيرِهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٢٢].
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سمَاك، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ قَالَ: الضُّرَبَاءُ، كُلُّ رَجُلٍ مَعَ كُلِّ قَوْمٍ كَانُوا يَعْمَلُونَ عَمَلَهُ"، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٧ -١٠]، قَالَ: هُمُ الضُّرَبَاءُ (٣).
ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ عُمَر خَطَبَ النَّاسَ فَقَرَأَ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ فَقَالَ: تَزَوّجها: أَنْ تُؤَلَّفَ (٤) كُلُّ شِيعَةٍ إِلَى شِيعَتِهِمْ. وَفِي رِوَايَةٍ: هُمَا الرَّجُلَانِ يَعْمَلَانِ الْعَمَلَ فَيَدْخُلَانِ بِهِ الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ (٥).
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ النُّعْمَانِ قَالَ: سُئِلَ عُمَرُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ فَقَالَ: يُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ مَعَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَيُقْرَنُ بَيْنَ الرَّجُلِ السُّوءِ مَعَ الرَّجُلِ السُّوءِ فِي النَّارِ، فَذَلِكَ تَزْوِيجُ الْأَنْفُسِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ النُّعْمَانِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَا تَقُولُونَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ ؟ فَسَكَتُوا. قَالَ: وَلَكِنْ هُوَ الرَّجُلُ يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالرَّجُلُ يُزَوَّجُ نَظِيرَهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ﴾
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ قَالَ: ذَلِكَ حِينَ يَكُونُ النَّاسُ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ قَالَ: الأمثال من الناس جمع

(١) لم يتقدم الكلام على الحديث في سورة "فاطر"، وهو في سنن أبي داود برقم (٢٤٨٩) من حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
(٢) في أ: "خيثم".
(٣) ورواه ابن مردويه في تفسيره، كما في الدر المنثور (٨/٤٢٩).
(٤) في أ: "أن يؤلف الله".
(٥) ورواه أبو بكر بن حمدان كما في مسند عمر (٢/٦٢٠) للمؤلف من طريق خلف بن الوليد، عن إسرائيل عن سماك بنحوه، ورواه عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ (٢/٢٨٤، ٢٨٥)، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سماك، عن النعمان، وعن إسرائيل، عن سماك، عن النعمان، ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٥١٥) من طريق سفيان عن سماك، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ


الصفحة التالية
Icon