قَالَتْ: وَأَيُّ رَقَبَةٍ لَنَا؟ وَاللَّهِ مَا يَجِدُ رَقَبَةً غَيْرِي. قَالَ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾ قَالَتْ: وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّهُ يَشْرَبُ فِي الْيَوْمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَذَهَبَ بَصَرُهُ! قَالَ: ﴿فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ قَالَتْ: مِنْ أَيْنَ؟ مَا هِيَ إِلَّا أَكْلَةٌ إِلَى مِثْلِهَا! قَالَ: فَدَعَا بِشَطْرِ وَسْق-ثَلَاثِينَ صَاعًا، وَالْوَسْقُ: سِتُّونَ صَاعًا-فَقَالَ: "لِيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَلْيُرَاجِعْكِ" (١) وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، وَسِيَاقٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ نَحْوُ هَذَا، فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَلَىُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: كَانَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ دُلَيج تَحْتَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَكَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَقِيرًا سَيِّئَ الْخُلُقِ، وَكَانَ طَلَاقُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، قَالَ: "أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي". وَكَانَ لَهَا مِنْهُ عَيِّلٌ أَوْ عَيِّلَانِ، فَنَازَعَتْهُ يَوْمًا فِي شَيْءٍ فَقَالَ: "أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي". فَاحْتَمَلَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَهُوَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ، وَعَائِشَةُ تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ وَمَعَهَا عَيّلها، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ زَوْجِي ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَقِيرٌ لَا شَيْءَ لَهُ سَيِّئُ الخُلُق، وَإِنِّي نَازَعْتُهُ فِي شَيْءٍ فَغَضِبَ، فَقَالَ: "أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي"، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ، وَلِي مِنْهُ عَيِّلٌ أَوْ عَيِّلَانِ، فَقَالَ: "مَا أَعْلَمُكِ إِلَّا قَدْ حَرُمت عَلَيْهِ" فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ مَا نَزَلَ بِي وَأَبَا صَبِيِّي. قَالَ: وَدَارَتْ عَائِشَةُ فَغَسَلَتْ شِقَّ رَأْسِهِ الْآخَرَ، فَدَارَتْ مَعَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَوْجِي ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَقِيرٌ سَيِّئُ الْخُلُقِ، وَإِنَّ لِي مِنْهُ عَيِّلا أَوْ عَيِّلَيْنِ، وَإِنِّي نَازَعْتُهُ فِي شَيْءٍ فَغَضِبَ، وَقَالَ: "أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي"، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ! قَالَتْ: فَرَفَعَ إِلَيَّ رَأَسَهُ وَقَالَ: "مَا أَعْلَمُكِ إِلَّا قَدْ حُرِّمْتِ عَلَيْهِ". فَقَالَتْ: أَشْكُو إِلَى اللَّهِ مَا نَزَلَ بِي وَأَبَا صَبِيِّي؟ قَالَ: وَرَأَتْ عَائِشَةُ وَجْهَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغَيَّر، فَقَالَتْ لَهَا: "وَرَاءَكِ وَرَاءَكِ؟ " فَتَنَحَّتْ، فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَشَيَانِهِ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَلَمَّا انْقَطَعَ الْوَحْيُ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَيْنَ الْمَرْأَةُ" فَدَعَتْهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اذْهَبِي فَأْتِنِي بِزَوْجِكِ". فَانْطَلَقَتْ تَسْعَى فَجَاءَتْ بِهِ. فَإِذَا هُوَ-[كَمَا قَالَتْ] (٢) -ضَرِيرُ الْبَصَرِ، فَقِيرٌ سَيِّئُ الْخُلُقِ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ] ﴾ (٣) إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا [فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ] ﴾ (٤) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسَّهَا؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: "أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ ". قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنِّي إِذَا لَمْ آكُلِ الْمَرَّتَيْنِ وَالثَّلَاثَ يَكَادُ أَنْ يَعْشُوَ بَصَرِي. قَالَ: "أَفَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ ". قَالَ: لَا إِلَّا [أَنْ] (٥) تُعِينَنِي. قَالَ: فَأَعَانَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: "أطعم ستين مسكينا". قال:

(١) تفسير الطبري (٢٨/٣) ورواه البزار في مسنده برقم (١٠٧٦) "كشف الأستار" مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ به وقال: "لا نعلمه بهذا اللفظ في الظهار عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بهذا الإسناد، وأبو حمزة لين الحديث، وقد خالف في روايته ومتن حديثه الثقاب في أمر الظهار؛ لأن الزهري رواه عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هريرة، وهذا إسناد لا نعلم بين علماء أهل الحديث اختلافًا في صحته، وأنه ﷺ دعا بإناء فيه خمسة عشر صاعًا، وحديث أبي حمزة منكر، وفيه لفظ يدل على خلاف الكتاب؛ لأنه قال: "وليراجعك، وقد كانت امرأته، فما معنى مراجعته امرأته ولم يطلقها، وهذا مما لا يجوز على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أتي هذا من رواية أبي حمزة الثمالي".
(٢) زيادة من م.
(٣) زيادة من م.
(٤) زيادة من أ.
(٥) زيادة من م.


الصفحة التالية
Icon