وَقَالَ ابْنُ لَهِيعة: حَدَّثَنِي عَطَاءٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ يَعْنِي: يُرِيدُونَ أَنْ يَعُودُوا فِي الْجِمَاعِ الَّذِي حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يَعْنِي الْغِشْيَانَ فِي الْفَرْجِ. وَكَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُغْشَى فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ وَالْمَسُّ: النِّكَاحُ. وكذا قال عطاء، والزهري، وقتادة، ومقاتل ابن حَيَّانَ.
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُكَفِّرَ.
وَقَدْ رَوَى أَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ظَاهَرْتُ مِنِ امْرَأَتِي فَوَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ. فَقَالَ: "مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ؟ ". قَالَ: رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ. قَالَ: "فَلَا تَقْرَبْهَا حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ" (١)
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ (٢) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَهُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ (٣)
وَقَوْلُهُ: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أَيْ: فَإِعْتَاقُ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، فَهَا هُنَا الرَّقَبَةُ مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالْإِيمَانِ، وَفِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مُقَيَّدَةٌ بِالْإِيمَانِ، فَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ، مَا أُطْلِقَ هَا هُنَا عَلَى مَا قُيِّدَ هُنَاكَ لِاتِّحَادِ الْمُوجَبِ، وَهُوَ عِتْقُ الرَّقَبَةِ، وَاعْتَضَدَ (٤) فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، فِي قِصَّةِ الْجَارِيَةِ السَّوْدَاءِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ". وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (٥)
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ (٦) بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي تَظَاهَرْتُ (٧) مِنِ امْرَأَتِي ثُمَّ وَقَعْتُ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ قَالَ: أَعْجَبَتْنِي؟ قَالَ: "أَمْسِكْ حَتَّى تُكَفِّرَ" (٨)
ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا يُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ تُكُلِّمَ فِيهِ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَفِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ إِلَّا بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ.

(١) رواه أبو داود في السنن برقم (٢٢٢٣) والترمذي في السنن برقم (١٩٩٠) والنسائي في السنن (٦/١٦٧) وابن ماجة في السنن برقم (٢٠٦٥).
(٢) في م:: حسن صحيح غريب".
(٣) سنن أبي داود برقم (٢٢٢١، ٢٢٢٢) وسنن النسائي (٦/١٦٨).
(٤) في م: "واعتمد".
(٥) الموطأ (٢/٧٧٧) والمسند (٥/٤٤٧) وصحيح مسلم برقم (٥٣٧).
(٦) في أ: "حدثنا يونس".
(٧) في م: "إني ظاهرت".
(٨) ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٢٠٤) والبيهقي في السنن الكبرى (٧/٣٨٦) من طريق إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ به نحوه، وقال الذهبي: "فيه إسماعيل بن مسلم وهو واه".


الصفحة التالية
Icon