الرَّحْمَنِ الْبَجَلِيُّ -مَنْ بَنِي بَجِيلَةَ-مَنْ بَنِي سُلَيْمٍ -عَنْ طَلْحَةَ-قَالَ أَبُو أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ -عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْسَجَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي عَمَلًا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ: "لَئِنْ كُنْتَ أقصرتَ الْخُطْبَةَ لَقَدْ أَعْرَضْتَ الْمَسْأَلَةَ. أَعْتِقِ النَّسَمَةَ، وَفُكَّ الرَّقَبَةَ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَلَيْسَتَا بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ: "لَا إِنَّ عِتْقَ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكَّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي عِتْقِهَا. وَالْمِنْحَةُ الْوَكُوفُ، وَالْفَيْءُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الظَّالِمِ؛ فَإِنْ لَمْ تُطِق ذَلِكَ فَأَطْعِمِ الجائعَ، واسْقِ الظَّمْآنَ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ تُطِقْ ذَلِكَ فَكُفَّ لِسَانَكَ إِلَّا مِنَ الْخَيْرِ" (١).
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذِي مَجَاعَةٍ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ. والسَّغَب: هُوَ الْجُوعُ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِي: فِي يومٍ الطعامُ فِيهِ عزيزٌ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي يَوْمٍ يُشتهى فِيهِ الطَّعَامُ.
وَقَوْلُهُ: ﴿يَتِيمًا﴾ أَيْ: أَطْعِمْ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ يَتِيمًا، ﴿ذَا مَقْرَبَةٍ﴾ أَيْ: ذَا قَرَابَةٍ مِنْهُ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ (٢) صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ، صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ".
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ (٣) وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ أَيْ: فَقِيرًا مُدقعًا لَاصِقًا بِالتُّرَابِ، وَهُوَ الدَّقْعَاءُ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ هُوَ الْمَطْرُوحُ فِي الطَّرِيقِ (٤) الَّذِي لَا بَيْتَ لَهُ، وَلَا شَيْءَ يَقِيهِ مِنَ التُّرَابِ -وَفِي رِوَايَةٍ: هُوَ الَّذِي لَصِقَ بِالدَّقْعَاءِ مِنَ الْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ، لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ -وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: هُوَ الْبَعِيدُ التُّرْبَةِ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: يَعْنِي الْغَرِيبَ عَنْ وَطَنِهِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ الْفَقِيرُ الْمَدْيُونُ الْمُحْتَاجُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الَّذِي لَا أَحَدَ لَهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدٌ، وَقَتَادَةُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: هُوَ ذُو الْعِيَالِ.
وَكُلُّ هَذِهِ قَرِيبَةُ الْمَعْنَى.
وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (٥) أَيْ: ثُمَّ هُوَ مَعَ هذه الأوصاف الجميلة الطاهرة (٦)
(٢) في أ: "على المسلمين".
(٣) المسند (٤/٢١٤) وسنن الترمذي برقم (٦٥٨) وسنن النسائي (٥/٩٢) وقال الترمذي: "حديث سلمان بن عامر حديث حسن".
(٤) في م: "بالطريق".
(٥) في م: "آمنوا وعملوا الصالحات".
(٦) في أ: "الظاهرة".