فَصْلٌ
ثُمَّ قَدْ قِيلَ: إِنَّهَا فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، يُحْكَى هَذَا عَنْ أَبِي رَزِين. وَقِيلَ: إِنَّهَا تَقَعُ لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ. وَرَوَى فِيهِ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَعَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ.
وَهُوَ قَوْلٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، وَيُحْكَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهَا لَيْلَةُ بَدْرٍ، وَكَانَتْ لَيْلَةُ جُمُعَةٍ هِيَ السَّابِعَةَ عَشْرَ (١) مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَفِي صَبِيحَتِهَا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ، وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ: ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ [الْأَنْفَالِ: ٤١].
وَقِيلَ: لَيْلَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ، يُحْكَى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا..
وَقِيلَ: لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: اعْتَكَفَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [فِي] (٢) الْعَشْرِ الأوَل مِنْ رَمَضَانَ وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ. فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: [إِنَّ] (٣) الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ. ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَرْجِعْ، فَإِنِّي رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّي أُنْسِيتُهَا، وَإِنَّهَا (٤) فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَفِي وِتْر، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ". وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدًا مِنَ النَّخْلِ، وَمَا نَرى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزَعَة فَمُطرنا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ. وَفِي لَفْظٍ: "فِي صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ" أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (٥).
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ.
وَقِيلَ: لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ (٦) فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" (٧) وَهُوَ قَرِيبُ السِّيَاقِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقِيلَ: لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الجُرَيري، عَنْ أَبِي نَضْرَة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ" (٨) إِسْنَادُهُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيب، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ بِلَالٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ" (٩).

(١) في أ: "في السابع عشر".
(٢) زيادة من م.
(٣) زيادة من م، أ.
(٤) في م: "ثم إنها".
(٥) صحيح مسلم برقم (١١٦٧).
(٦) في أ: "أويس".
(٧) صحيح مسلم برقم (١١٦٨).
(٨) مسند الطيالسي برقم (٢١٦٧).
(٩) المسند (٦/١٢).


الصفحة التالية
Icon