حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنُ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ الْمَدَنِيِّ، حَدَّثَنِي فُضَيل، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " فَيَقُولُ: أَبْشِرْ عَبْدِي، فَوَعِزَّتِي لَأُمَكِّنَنَّهُ (١) لَكَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى تَرْضَى".
حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا. وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَابْنُ الْأَثِيرِ، مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ، عَنْ نَظير الْمُزَنِيِّ -أَوْ: الْمَدَنِيِّ -عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ " لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا " وَيَقُولُ: أَبْشِرْ عَبْدِي، فَوَعِزَّتِي لَا أَنْسَاكَ عَلَى حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَأُمَكِّنَنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى تَرْضَى" (٢).
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (٢) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) ﴾أَمَّا أَهْلُ الْكِتَابِ فَهُمُ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَالْمُشْرِكُونَ: عَبَدةُ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ، مِنَ الْعَرَبِ وَمِنَ الْعَجَمِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ يَكُونُوا ﴿مُنْفَكِّينَ﴾ يَعْنِي: مُنْتَهِينَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ.
﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ أَيْ: هَذَا الْقُرْآنُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ ثُمَّ فَسَّرَ الْبَيِّنَةَ بِقَوْلِهِ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا يَتْلُوهُ مِنَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، الَّذِي هُوَ مُكْتَتَبٌ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، فِي صُحُفٍ مُطَهَّرَةٍ كَقَوْلِهِ: ﴿فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عَبَسَ: ١٣ -١٦].
وَقَوْلُهُ: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أَيْ فِي الصُّحُفِ الْمُطَهَّرَةِ كُتُبٌ مِنَ اللَّهِ قِيمَةٌ: عَادِلَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ، لَيْسَ فِيهَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ قَتَادَةُ: ﴿رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً﴾ يَذْكُرُ الْقُرْآنَ بِأَحْسَنِ الذِّكْرِ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ بِأَحْسَنِ الثَّنَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ﴾ مُسْتَقِيمَةٌ مُعْتَدِلَةٌ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ كقوله:
(٢) أسد الغابة لابن الأثير (٤/٥٤٩) وذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (٣/٥٢٨) من طريق أبي موسى، وهي من طريق محمد بن إسماعيل بن جعفر، عن عبد الله بن سلمة، عن الزهري به، وقال: "عبد الله بن سلمة واهي الحديث".