وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ﴾ جَعَلَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ﴾ أَيْ: قَوَّاهُمْ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ كُلُّ هَذَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَفِي قَوْلِهِ: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ سِرٌّ بَدِيعٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا سَخِطُوا عَلَى الْقَرَائِبِ وَالْعَشَائِرِ فِي اللَّهِ عَوَّضَهُمُ اللَّهُ بِالرِّضَا عَنْهُمْ، وَأَرْضَاهُمْ عَنْهُ بِمَا أَعْطَاهُمْ مِنَ النَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ، وَالْفَضْلِ الْعَمِيمِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيْ: هَؤُلَاءِ حزبُ اللَّهِ، أَيْ: عِبَادُ اللَّهِ (١) وَأَهْلُ كَرَامَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ تَنْوِيهٌ بِفَلَاحِهِمْ وَسَعَادَتِهِمْ وَنَصْرِهِمْ (٢) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فِي مُقَابَلَةِ مَا أَخْبَرَ عَنْ أُولَئِكَ بِأَنَّهُمْ حِزْبُ الشَّيْطَانِ. ثُمَّ قَالَ: ﴿أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾
وقد قال بن أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ حُمَيْدٍ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَنْبَسة، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ-يُقَالُ (٣) هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ، انْقَطَعَ مِنْ كِتَابِي-عَنِ الذَيَّال بْنِ عَبَّادٍ قَالَ: كَتَبَ أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ إِلَى الزُّهْرِيِّ: اعْلَمْ أَنَّ الْجَاهَ جَاهَانَ، جَاهٌ يُجْرِيهِ اللَّهُ عَلَى أَيْدِي أَوْلِيَائِهِ لِأَوْلِيَائِهِ، وَأَنَّهُمُ الْخَامِلُ ذِكْرُهُمُ، الْخَفِيَّةُ شُخُوصُهُمْ، وَلَقَدْ جَاءَتْ صِفَتُهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. "إن اللَّهَ يُحِبُّ الْأَخْفِيَاءَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَبْرِيَاءَ، الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفتَقَدوا، وَإِذَا حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوا، قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ" (٤) فَهَؤُلَاءِ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ: ﴿أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾
وَقَالَ نُعَيم بْنُ حَمّاد: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللَّهُمَّ، لَا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ وَلَا لِفَاسِقٍ عِنْدِي يَدًا وَلَا نِعْمَةً، فَإِنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَوْحَيْتَهُ إِلَيَّ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ قَالَ سُفْيَانُ: يَرَوْنَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ يُخَالِطُ السُّلْطَانَ. وَرَوَاهُ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ.
(٢) في م: "ونصرتهم".
(٣) في م: "فقال".
(٤) الحديث أخرجه ابن ماجة في السنن برقم (٣٩٨٩) من طريق ابن لهيعة، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عمر مرفوعًا، وفيه ابن لهيعة وقد توبع، تابعه عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرحمن به، رواه الحاكم في المستدرك (٤/٣٢٨) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".