هُمُ: الْمُتَّبِعُونَ لِآثَارِهِمُ الْحَسَنَةِ وَأَوْصَافِهِمُ الْجَمِيلَةِ، الدَّاعُونَ لَهُمْ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي هذه الآية الكريم: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ﴾ أَيْ: قَائِلِينَ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا﴾ أَيْ: بُغْضًا وَحَسَدًا ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ وَمَا أَحْسَنَ مَا اسْتَنْبَطَ الْإِمَامُ مَالِكٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الرَّافِضِيَّ الَّذِي يَسُبُّ الصَّحَابَةَ لَيْسَ لَهُ فِي مَالِ الْفَيْءِ نَصِيبٌ لِعَدَمِ اتِّصَافِهِ بِمَا مَدَحَ اللَّهُ بِهِ هَؤُلَاءِ فِي قَوْلِهِمْ: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ، فَسَبُّوهُمْ! ثُمَّ قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ﴾ الْآيَةَ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَية، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُمِرْتُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَبَبْتُمُوهُمْ. سمعتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَذْهَبُ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى يَلْعَنَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا". رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ (١)..
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ﴾ قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، قُرى [عَرَبِيَّةٌ: فَدَك وَكَذَا] (٢) وَكَذَا، فَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ فَاسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النَّاسَ، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا لَهُ فِيهَا حَقٌّ -قَالَ أَيُّوبُ: أَوْ قَالَ: حَظٌّ-إِلَّا بَعْضَ مَنْ تَمْلِكُونَ مِنْ أَرِقَّائِكُمْ. كَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَفِيهِ انْقِطَاعٌ (٣).
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابن ثور، عن مَعْمَر، عن أيوب، عن عكرمة ابن خَالِدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثان قَالَ: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ حَتَّى بَلَغَ ﴿عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التَّوْبَةِ: ٦٠]، ثُمَّ قَالَ هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى [وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ] ﴾ (٤) [الْأَنْفَالِ: ٤١]، ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ حَتَّى بَلَغَ لِلْفُقَرَاءِ ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ﴾ ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ ثُمَّ قَالَ: اسْتَوْعَبَتْ هَذِهِ الآية المسلمين عامة،

(١) معالم التنزيل للبغوي (٨/٠٨) وله شاهد في صحيح مسلم برقم (٣٠٢٢) عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ لِي عَائِشَةُ: "يَا ابن أختي، أمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي ﷺ فسبوهم".
(٢) زيادة من م، أ، وسنن أبي داود.
(٣) سنن أبي داود برقم (٢٩٦٦)
(٤) زيادة من م.


الصفحة التالية
Icon