إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟ ". قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلصَقًا فِي قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ بِمَكَّةَ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ ديني ولا رضى بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ صَدَقكم". فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، مَا يُدْرِيكَ لَعَلّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ".
وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَينة، بِهِ (١). وَزَادَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ "الْمَغَازِي": فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ (٢). وَقَالَ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ: قَالَ عَمْرٌو: وَنَزَلَتْ فِيهِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ قَالَ (٣) :" لَا أَدْرِي الْآيَةَ فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَالَ عَمْرٌو". قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ -يَعْنِي: ابْنَ الْمَدِينِيِّ-: قِيلَ لِسُفْيَانَ فِي هَذَا: نَزَلَتْ ﴿لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ ؟ فَقَالَ سُفْيَانُ: هَذَا فِي حَدِيثِ النَّاسِ، حَفِظْتُهُ مِنْ عَمْرٍو، مَا تَرَكْتُ مِنْهُ حَرْفًا، وَمَا أَرَى (٤) أَحَدًا حَفِظَهُ غَيْرِي (٥).
وَقَدْ أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ حُصَين بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ (٦) بْنِ عُبَيدة، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَد، وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، وَقَالَ: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبٍ إِلَى الْمُشْرِكِينَ: فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: الكتابُ؟ فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ. فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ نَرَ كِتَابًا، فَقُلْنَا: مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لنُجردنك. فَلَمَّا رَأَتِ الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزتها وَهِيَ مُحتَجِزة بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ. فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدعني فلأضْرِب عُنُقَهُ. فَقَالَ: "مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ ". قَالَ: وَاللَّهِ مَا بِي إِلَّا أَنْ أَكُونَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا لَهُ هُنَالِكَ مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ. فَقَالَ: "صَدَقَ، لَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا". فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، فَدَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ. فَقَالَ: "أَلَيْسَ مَنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ " فَقَالَ: "لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمُ الجنة -أو:
(٢) صحيح البخاري برقم (٤٢٧٤).
(٣) في م: "وقال".
(٤) في م: "ولا أرى".
(٥) صحيح البخاري برقم (٤٨٩٠).
(٦) في م: "عن سعيد".