ونلاحظ في هذه المناظرة الاعتماد على القياس، ولكنّ حجّة الحنفية ورود النص في إعادة الوضوء لمن قهقه في صلاته، ولا قياس مع النص.
فقد وردت عدّة نصوص من السنة عند الحنفية بعضها مسند وبعضها مرسل فاحتجّوا بهذه الروايات على ما ذهبوا إليه(٨٩).
ولكنّ الشافعية ضعّفوا هذه الروايات، فلم يأخذوا بها، وقدّموا عليها القياس كما جاء في المناظرة، إضافة إلى أنهم استدلوا برواية أخرجها الدارقطني أن رسول الله ﷺ قال:( الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء)(٩٠).
الخاتمة والنتائج:
من خلال الاطلاع على هذا البحث يمكن القول إنّ اعتماد الحجة والدليل هو منهج علماء هذه الأمة في الوصول إلى الحق، فعندما يرى العالم المخلص أن الدليل مع غيره فإنه يسلّم به ويأخذ به وإن كان مخالفاً لما كان يذهب إليه من قبل.
كما يتضح لدينا سعة صدور العلماء، وفسحهم المجال لمن يخالفونهم الرأي في عرض آرائهم وتوضيحها. وقد رأينا رجوع القاضي أبي يوسف إلى مذهب الجمهور في مسألة الوقوف والأحباس بعد مناظرته مع الإمام مالك، ورجوع (زفر) في مسألة قتل المسلم بالذمّي إلى رأي الجمهور.
ويظهر لدينا كذلك إلزام الخصم بالدليل العقلي حال عدم اعترافه بالدليل الشرعي كما في معجزة انشقاق القمر.
ونلاحظ استعمال القياس، وسرد الاحتمالات وتفنيد الباطل منها، في مسألة القدر وحكم القراءة خلف الإمام.
ومن ذلك كلّه نستطيع القول إنّ علماء الإسلام ضربوا أروع الأمثلة في الاستدلال على مذهبهم من النقل والعقل والقياس.
الهوامش والتعليقات
(١) الأزهري، أبو منصور محمد بن أحمد، ت٣٧٠هـ، تهذيب اللغة، تحقيق: د. عبد الحليم النجار، الدار المصرية للتأليف والترجمة، القاهرة، (مادة حجج)، ( ٣/٣٨٧- ٣٩٠ ) سنة ١٣٨٤هـ، ١٩٦٤م.