لقد ضلت بعض الفرق الإسلامية في القدر(٣٤) فذهبوا إلى أنه لا قدر(٣٥) وأن الإنسان يخلق فعله وفي مقدمة هؤلاء المعتزلة والرافضة، وقد أنكر عليهم بعض صحابة رسول الله ﷺ ممن أدركوا هذه الفتنة وقد روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قوله: القدرية مجوس هذه الأمة(٣٦). والذي عليه جمهور المسلمين إثبات القدر وأن الإيمان بالقدر خيره وشرّه من أركان الإيمان.
وسبب هذا الضلال هو سوء فهم بعض الآيات القرآنية الواردة في القدر ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ إنّا كل شئ خلقناه بقدر ﴾ [القمر: ٤٩](٣٧).
وقد وردت عدة آثار في ذم القائلين بالقدر منها ما أخرجه ابن ماجه في سننه أن رسول الله ﷺ قال:(إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلّموا عليهم)(٣٨).
وأخرج أبو داود عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله ﷺ قال:( لكل أمة مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر. من مات منهم فلا تشهدوا جنازتهم، ومن مرض منهم فلا تعودوهم، هم شيعة الدجال، وحقّ على الله أن يلحقهم بالدجال)(٣٩).
وهناك عدّة مناظرات في القدر، نذكر منها هذه المناظرة التي ذكرها القرطبي في تفسيره حيث قال: أحضر عمر بن عبد العزيز غيلان القدريّ(٤٠) فقال: يا غيلان بلغني أنك تتكلم بالقدر، فقال: يكذبون عليّ يا أمير المؤمنين، ثم قال: يا أمير المؤمنين: أرأيت قول الله تعالى: ﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً. إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً ﴾ [الإنسان: ٢، ٣]. فقال عمر بن عبد العزيز: اقرأ يا غيلان، فقرأ حتى انتهى إلى قوله: ﴿ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ﴾ [الإنسان: ٢٩].
فقال عمر: اقرأ فقال: ﴿ وما تشاءون إلا أن يشاء الله ﴾ [الإنسان: ٣٠] فقال غيلان: والله يا أمير المؤمنين إن شعرت – أي ما شعرت - أنّ هذا في كتاب الله قطّ.