عنها:"أنها طلقها زوجها آخر ثلاث تطليقات فلم يجعل لها رسول الله ﷺ نفقة ولا سكنى" أخرجه مسلم في "صحيحه"، والإمام أحمد وأصحاب السنن، وهو نص صريح صحيح في أن البائن بالطلاق لا نفقة لها ولا سكنى، وهذا الحديث أصح من حديث ابن عباس المتقدم.
وصرح الأئمة بأنه لم يثبت من السنة ما يخالف حديث فاطمة هذا، وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول لها: "السكنى والنفقة". فقال قال الإمام أحمد: لا يصح ذلك عن عمر.
وقال الدارقطني: السنة بيد فاطمة قطعا، وأيضا تلك الرواية عن عمر من طريق إبراهيم النخعي ومولده بعد موت عمر بسنتين.
قال ابن القيم: ونحن نشهد بالله شهادة نسأل عنها إذا لقيناه، أنها كذب على عمر وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حققت أن السنة معها وأنها صاحبة القصة، فاعلم أنها لما سمعت قول عمر لا نترك كتاب الله وسنة نبينا ﷺ لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، قالت: بيني وبينكم كتاب الله. قال الله: ﴿فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [٦٥/١]، حتى قال: ﴿ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً﴾ [٦٥/١]. فأي أمر يحدث بعد الثلاث، رواه أبو داود، والنسائي، وأحمد، ومسلم بمعناه. فتحصل أن السنة بيدها، وكتاب الله معها.
وهذا المذهب بحسب الدليل هو أوضح المذاهب وأصوبها. وللعلماء في نفقة البائن وسكناها أقوال غير هذا. فمنهم من أوجبهما معا، ومنهم من أوجب السكنى دون النفقة، ومنهم من عكس.
فالحاصل أن حديث فاطمة هذا يرد تعليل ابن عباس المذكور، وأنه أصح من حديثه، وفيه التصريح بأن سقوط النفقة والسكنى لا يتوقف على عدم الطلاق، بل يكون مع الطلاق البائن. وأيضا فالتصريح بأنه ﷺ أنفذ الثلاث دفعة في الرواية المذكورة أولى بالاعتبار من كلام ابن عباس المذكور؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. وهذا الصحابي حفظ إنفاذ الثلاث، والمثبت مقدم على النافي.
فإن قيل: إنفاذه ﷺ الثلاث دفعة من الملاعن على الرواية المذكورة لا يكون حجة في غير اللعان؛ لأن اللعان تجب فيه الفرقة الأبدية. فإنفاذ الثلاث مؤكد لذلك الأمر