أيضا عن ابن عباس، وبه قال مجاهد والربيع، ومحمد بن جعفر بن الزبير والقاسم بن محمد وغيرهم. وممن انتصر لهذا القول وأطال فيه ابن فورك ونظير الآية في احتمال الاستئناف والعطف قول الشاعر:
الريح تبكي شجوها... والبرق يلمع في الغمامة
فيحتمل أن يكون والبرق مبتدأ، والخبر يلمع كالتأويل الأول، فيكون مقطوعا مما قبله، ويحتمل أن يكون معطوفا على الريح، ويلمع في موضع الحال على التأويل الثاني أي: لامعا.
واحتج القائلون بأن الواو عاطفة بأن الله سبحانه وتعالى مدحهم بالرسوخ في العلم فكيف يمدحهم بذلك وهم جهال.
قال القرطبي: قال شيخنا أبو العباس أحمد بن عمرو: هذا القول هو الصحيح فإن تسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي يستوي في علمه جميع من يفهم كلام العرب، وفي أي شيء هو رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع. انتهى منه بلفظه.
قال مقيده عفا الله عنه يجاب عن كلام شيخ القرطبي المذكور بأن رسوخهم في العلم هو السبب الذي جعلهم ينتهون حيث انتهى علمهم ويقولون فيما لم يقفوا على علم حقيقته من كلام الله جل وعلا: ﴿آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾، بخلاف غير الراسخين فإنهم يتبعون: ﴿مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾، وهذا ظاهر.
وممن قال بأن الواو عاطفة الزمخشري في تفسيره "الكشاف". والله تعالى أعلم ونسبة العلم إليه أسلم.
وقال بعض العلماء: والتحقيق في هذا المقام أن الذين قالوا هي عاطفة، جعلوا معنى التأويل التفسير وفهم المعنى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم علمه التأويل"، أي: التفسير وفهم معاني القرآن، والراسخون يفهمون ما خوطبوا به وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه. والذين قالوا هي استئنافية جعلوا معنى التأويل حقيقة ما يؤول إليه الأمر وذلك لا يعلمه إلا الله، وهو تفصيل جيد ولكنه يشكل عليه أمران:
الأول قول ابن عباس رضي الله عنهما: التفسير على أربعة أنحاء: تفسير: لا


الصفحة التالية
Icon