تناسلنا فيها لكنا في أرغد عيش وأتم نعمة، ولكن إبليس عليه لعائن الله احتال بمكره وخداعه على أبوينا حتى أخرجهما من الجنة، إلى دار الشقاء والتعب.
وحينئذ حكم الله تعالى أن جنته لا يدخلها أحد إلا بعد الابتلاء بالشدائد وصعوبة التكاليف. فعلى العاقل منا معاشر بني آدم أن يتصور الواقع ويعلم أننا في الحقيقة سبي سباه إبليس بمكره وخداعه من وطنه الكريم إلى دار الشقاء والبلاء، فيجاهد عدوه إبليس ونفسه الأمارة بالسوء حتى يرجع إلى الوطن الأول الكريم، كما قال ابن القيم: [الطويل]
ولكننا سبي العدو فهل ترى | نرد إلى أوطاننا ونسلم |
قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ الآية، هذه الآية الكريمة على قراءة من قرأ قتل بالبناء للمفعول يحتمل نائب الفاعل فيها أن يكون لفظة ربيون وعليه فليس في قتل ضمير أصلا، ويحتمل أن يكون نائب الفاعل ضميرا عائدا إلى النبي، وعليه فمعه خبر مقدم وربيون مبتدأ مؤخر سوغ الابتداء به اعتماده على الظرف قبله ووصفه بما بعده والجملة حالية والرابط الضمير، وسوغ إتيان الحال من النكرة التي هي نبي وصفه بالقتل ظلما، وهذا هو أجود الأعاريب المذكورة في الآية على هذا القول، وبهذين الاحتمالين في نائب الفاعل المذكور يظهر أن في الآية إجمالا. والآيات القرآنية مبينة أن النبي المقاتل غير مغلوب بل هو غالب، كما صرح تعالى بذلك في قوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [٥٨/٢١]، وقال قبل هذا: ﴿أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ﴾ [٥٨/٢٠]، وقال بعده: ﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.
وأغلب معاني الغلبة في القرآن الغلبة بالسيف والسنان كقوله: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [٨/٦٥]، وقوله: ﴿فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ﴾، وقوله: ﴿الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [٣٠/٤]، وقوله: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً﴾ [٢/٢٤٩]، وقوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ﴾ [٣/١٢]، إلى غير ذلك من الآيات.