فيما فسد من الصداق، أو وقع الغبن في مقداره؛ لأن عائشة رضي الله عنها، قالت: ويبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق، فدل على أن للصداق سنة معروفة لكل صنف من الناس على قدر أحوالهم، وقد قال مالك: للناس مناكح عرفت لهم، وعرفوا لها يعني مهورا وأكفاء.
ويؤخذ أيضا من هذه الآية جواز تزويج اليتيمة إذا أعطيت حقوقها وافية، وما قاله كثير من العلماء من أن اليتيمة لا تزوج حتى تبلغ، محتجين بأن قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ﴾، اسم ينطلق على الكبار دون الصغار، فهو ظاهر السقوط؛ لأن الله صرح بأنهن يتامى، بقوله: ﴿فِي يَتَامَى النِّسَاءِ﴾، وهذا الاسم أيضا قد يطلق على الصغار، كما في قوله تعالى: ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ [٢/٤٩]، وهن إذ ذاك رضيعات فالظاهر المتبادر من الآية جواز نكاح اليتيمة مع الإقساط في الصداق، وغيره من الحقوق.
ودلت السنة على أنها لا تجبر، فلا تزوج إلا برضاها، وإن خالف في تزويجها خلق كثير من العلماء.
تنبيه:
قال القرطبي في تفسير هذه الآية ما نصه: واتفق كل من يعاني العلوم على أن قوله تعالى: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى﴾، ليس له مفهوم إذ قد أجمع المسلمون على أن من لم يخف القسط في اليتامى له أن ينكح أكثر من واحدة، اثنتين، أو ثلاثا، أو أربعا، كمن خاف فدل على أن الآية نزلت جوابا لمن خاف ذلك وأن حكمها أعم من ذلك. ا هـ منه بلفظه.
قال مقيده عفا الله عنه: الذي يظهر في الآية على ما فسرتها به عائشة، وارتضاه القرطبي، وغير واحد من المحققين ودل عليه القرآن: أن لها مفهوما معتبر؛ لأن معناها: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتيمات فانكحوا ما طاب لكم من سواهن، ومفهومه أنهم إن لم يخافوا عدم القسط لم يؤمروا بمجاوزتهن إلى غيرهن، بل يجوز لهم حينئذ الاقتصار عليهن وهو واضح كما ترى، إلا أنه تعالى لما أمر بمجاوزتهن إلى غيرهن عند خوفهم أن لا يقسطوا فيهن، أشار إلى القدر الجائز من تعدد الزوجات، ولا إشكال في