عنه، قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما يوم أحد، وإن عمهما أخذ مالهما، ولم يدع لهما مالا، ولا ينكحان إلا ولهما مال، فقال صلى الله عليه وسلم: "يقضي الله تعالى في ذلك"، فنزلت آية الميراث فبعث رسول الله ﷺ إلى عمهما، فقال: "اعط ابنتي سعد الثلثين، واعط أمهما الثمن، وما بقي فهو لك".
وما روى عن ابن عباس، رضي الله عنهما، من أنه قال: للبنتين النصف؛ لأن الله تعالى، قال: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾، فصرح بأن الثلثين إنما هما لما فوق الاثنتين فيه أمور.
الأول: أنه مردود بمثله؛ لأن الله قال أيضا: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾، فصرح بأن النصف للواحدة جاعلا كونها واحدة شرطا معلقا عليه فرض النصف.
وقد تقرر في الأصول أن المفاهيم إذا تعارضت قدم الأقوى منها، ومعلوم أن مفهوم الشرط أقوى من مفهوم الظرف؛ لأن مفهوم الشرط لم يقدم عليه من المفاهيم، إلا ما قال فيه بعض العلماء: إنه منطوق لا مفهوم وهو النفي والإثبات، وإنما من صيغ الحصر والغاية، وغير هذا يقدم عليه مفهوم الشرط، قال في "مراقي السعود" مبينا مراتب مفهوم المخالفة: [الرجز]
أعلاه لا يرشد إلا العلما... فما لمنطوق بضعف انتمى
فالشرط فالوصف الذي يناسب... فمطلق الوصف الذي يقارب
فعدد ثمت تقديم يلي... وهو حجة على النهج الجلي
وقال صاحب "جمع الجوامع" ما نصه: مسألة الغاية قيل: منطوق والحق مفهوم يتلوه الشرط، فالصفة المناسبة، فمطلق الصفة غير العدد، فالعدد، فتقديم المعمول إلخ.
وبهذا تعلم أن مفهوم الشرط في قوله: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾، أقوى من مفهوم الظرف في قوله: ﴿فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ﴾.
الثاني: دلالة الآيات المتقدمة على أن للبنتين الثلثين.
الثالث: تصريح النبي ﷺ بذلك في حديث جابر المذكور آنفا.


الصفحة التالية
Icon