هل هو العقد أو الوطء، ولكنه بين في موضع آخر أن اسم النكاح يطلق على العقد وحده، وإن لم يحصل مسيس وذلك في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [٣٣/٤٩]، فصرح بأنه نكاح وأنه لا مسيس فيه.
وقد أجمع العلماء على أن من عقد عليها الأب حرمت على ابنه، وإن لم يمسها الأب، وكذلك عقد الابن محرم على الأب إجماعا، وإن لم يمسها وقد أطلق تعالى النكاح في آية أخرى مريدا به الجماع بعد العقد، وذلك في قوله: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ [٢/٢٣٠]؛ لأن المراد بالنكاح هنا ليس مجرد العقد، بل لا بد معه من الوطء، كما قال ﷺ لامرأة رفاعة القرظي: " لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"، يعني الجماع ولا عبرة بما يروى من المخالفة عن سعيد بن المسيب؛ لوضوح النص الصريح الصحيح في عين المسألة.
ومن هنا قال بعض العلماء لفظ النكاح مشترك بين العقد والجماع، وقال بعضهم هو حقيقة في الجماع مجاز في العقد؛ لأنه سببه وقال بعضهم بالعكس.
تنبيه:
قال بعض العلماء: إن لفظة ﴿مَا﴾ من قوله: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾ [٤/٢٢]، مصدرية وعليه فقوله من النساء متعلق بقوله: ﴿تَنْكِحُوا﴾، لا بقوله نكح، وتقرير المعنى على هذا القول ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم، أي: لا تفعلوا ما كان يفعله آباؤكم من النكاح الفاسد، وهذا القول هو اختيار ابن جرير، والذي يظهر وجزم به غير واحد من المحققين أن ﴿مَا﴾ موصولة واقعة على النساء التي نكحها الآباء، كقوله تعالى: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ [٤/٣]، وقد قدمنا وجه ذلك؛ لأنهم كانوا ينكحون نساء آبائهم كما يدل له سبب النزول، فقد نقل ابن كثير عن أبي حاتم أن سبب نزولها أنه لما توفي أبو قيس بن الأسلت خطب ابنه امرأته، فاستأذنت رسول الله ﷺ في ذلك، فقال: "ارجعي إلى بيتك"، فنزلت: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ﴾ الآية.
قال مقيده عفا الله عنه: نكاح زوجات الآباء كان معروفا عند العرب، وممن فعل ذلك أبو قيس بن الأسلت المذكور، فقد تزوج أم عبيد الله وكانت تحت الأسلت إبيه،


الصفحة التالية
Icon