افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}، ذكر في هذه الآية الكريمة أنه تعالى لا يغفر الإشراك به وأنه يغفر غير ذلك لمن يشاء وأن من أشرك به فقد افترى إثما عظيما.
وذكر في مواضع أخر: أن محل كونه لا يغفر الإشراك به إذا لم يتب المشرك من ذلك، فإن تاب غفر له كقوله: ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً﴾ الآية [٢٥/٧٠]، فإن الإستثناء راجع لقوله: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾ [٢٥/٦٨]، وما عطف عليه؛ لأن معنى الكل جمع في قوله: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً﴾ الآية [٢٥/٦٨]، وقوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [٨/٣٨]. وذكر في موضع آخر: أن من أشرك بالله قد ضل ضلالا بعيدا عن الحق، وهو قوله في هذه السورة الكريمة أيضا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً﴾ [٤/١١٦]، وصرح بأن من أشرك بالله فالجنة عليه حرام ومأواه النار بقوله: ﴿إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ﴾ [٥/٧٢]، وقوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [٧/٥٠].
وذكر في موضع آخر أن المشرك لا يرجى له خلاص، وهو قوله: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾ [٢٢/٣١]، وصرح في موضع آخر: بأن الإشراك ظلم عظيم بقوله عن لقمان مقررا له: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [٣١/١٣].
وذكر في موضع آخر أن الأمن التام والاهتداء، إنما هما لمن لم يلبس إيمانه بشرك، وهو قوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [٦/٨٢]، وقد صح عنه ﷺ أن معنى ﴿بِظُلْمٍ﴾ بشرك.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ الآية، أنكر تعالى عليهم في هذه الآية تزكيتهم أنفسهم بقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ﴾ [٤/٤٩] بقوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً﴾ [٤/٥٠]، وصرح بالنهي العام عن تزكية النفس وأحرى نفس الكافر التي هي أخس شيء وأنجسه بقوله: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ


الصفحة التالية
Icon