اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [٢/٢٥٦].
ومفهوم الشرط أن من لم يكفر بالطاغوت لم يستمسك بالعروة الوثقى وهو كذلك، ومن لم يستمسك بالعروة الوثقى فهو بمعزل عن الإيمان؛ لأن الإيمان بالله هو العروة الوثقى، والإيمان بالطاغوت يستحيل اجتماعه مع الإيمان بالله؛ لأن الكفر بالطاغوت شرط في الإيمان بالله أو ركن منه، كما هو صريح قوله: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ﴾ الآية [٢/٢٥٦].
تنبيه:
استدل منكروا القياس بهذه الآية الكريمة، أعني قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ﴾ الآية، على بطلان القياس قالوا: لأنه تعالى أوجب الرد إلى خصوص الكتاب والسنة دون القياس، وأجاب الجمهور بأنه لا دليل لهم في الآية؛ لأن إلحاق غير المنصوص بالمنصوص لوجود معنى النص فيه لا يخرج عن الرد إلى الكتاب والسنة، بل قال بعضهم الآية متضمنة لجميع الأدلة الشرعية، فالمراد بإطاعة الله العمل بالكتاب وبإطاعة الرسول العمل بالسنة، وبالرد إليهما القياس؛ لأن رد المختلف فيه غير المعلوم من النص إلى المنصوص عليه، إنما يكون بالتمثيل والبناء عليه، وليس القياس شيئا وراء ذلك.
وقد علم من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ﴾ أنه عند عدم النزاع يعمل بالمتفق عليه، وهو الإجماع قاله الألوسي في "تفسيره". ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً﴾، ذكر في هذه الآية الكريمة أن المنافقين إذا دعوا إلى ما أنزل الله، وإلى الرسول ﷺ يصدون عن ذلك صدودا أي: يعرضون إعراضا.
وذكر في موضع آخر أنهم إذا دعوا إليه ﷺ ليستغفر لهم لووا رءوسهم، وصدوا واستكبروا، وهو قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾ [٦٣/٥].
قوله تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾، أقسم تعالى في هذه الآية الكريمة بنفسه


الصفحة التالية
Icon