الطائفة الأخرى فيجدون الإمام قائما ينتظرهم، وهو مخير في قيامه بين القراءة، والدعاء، والسكوت إن كانت ثنائية، وبين الدعاء والسكوت إن كانت رباعية أو ثلاثية، وقيل: ينتظرهم في الرباعية والثلاثية جالسا فيصلي بهم باقي الصلاة، وهو ركعة في الثنائية، والثلاثية، وركعتان في الرباعية، ثم يسلم ويقضون ما فاتهم بعد سلامه، وهو ركعة في الثنائية، وركعتان في الرباعية والثلاثية. فتحصل أن هذه الصورة، أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعة أو اثنتين، ثم يتمون لأنفسهم ويسلمون، ويقفون في وجه العدو، ثم تأتي الأخرى فيصلي بهم الباقي، ويسلم ويتمون لأنفسهم.
قال ابن يونس في هذه الصورة التي ذكرنا: وحديث القاسم أشبه بالقرآن، وإلى الأخذ به رجع مالك. اهـ.
قال مقيده عفا الله عنه مراد ابن يونس، أن الحديث الذي رواه مالك في "الموطأ"، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر، عن صالح بن خوات، عن سهل بن أبي حثمة، بالكيفية التي ذكرنا، هو الذي رجح إليه مالك، ورجحه أخيرا على ما رواه، أعني مالكا، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله ﷺ يوم ذات الرقاع صلاة الخوف. الحديث، والفرق بين رواية القاسم بن محمد، وبين رواية يزيد بن رومان، أن رواية يزيد بن رومان فيها أن النبي ﷺ صلى بالطائفة الأخرى الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم، وقد عرفت أن رواية القاسم عند مالك في "الموطأ"، أنه يصلي بالطائفة الأخرى الركعة الباقية ثم يسلم فيتمون بعد سلامه لأنفسهم.
قال ابن عبد البر مشيرا إلى الكيفية التي ذكرنا، وهي رواية القاسم بن محمد، عند مالك، وهذا الذي رجع إليه مالك بعد أن قال بحديث يزيد بن رومان، وإنما اختاره ورجع إليه للقياس على سائر الصلوات: إن الإمام لا ينتظر المأموم، وإن المأموم إنما يقضي بعد سلام الإمام، وحديث القاسم هذا الذي أخرجه مالك في "الموطأ" موقوف على سهل، إلا أن له حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للرأي فيه والتحقيق أنه مرسل صحابي؛ لأن سهلا كان صغيرا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وجزم الطبري، وابن حبان، وابن السكن، وغيرهم بأن النبي ﷺ توفي وسهل المذكور ابن ثمان سنين، وزعم ابن حزم، أنه لم يرد عن أحد من السلف القول بالكيفية التي ذكرنا أنها رجع إليها مالك، ورواها في "موطئه" عن القاسم بن محمد، هذا هو حاصل مذهب مالك في كيفية صلاة الخوف.


الصفحة التالية
Icon