المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا"، وأخرجه البخاري في المناقب، عن العلاء بن الحضرمي أيضا بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث للمهاجر بعد الصدر" اهـ. قالوا فإذن النبي ﷺ للمهاجرين في ثلاثة أيام يدل على أن من أقامها في حكم المسافر، وأن ما زاد عليها يكون إقامة والمقيم عليه الإتمام، وبما أخرجه مالك في "الموطأ" بسند صحيح، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أجلى اليهود من الحجاز، ثم أذن لمن قدم منهم تاجرا أن يقيم ثلاثا، وأجيب عن هذا الدليل من جهة المخالف، بأن النبي ﷺ إنما رخص لهم في الثلاث؛ لأنها مظنة قضاء حوائجهم، وتهيئة أحوالهم للسفر، وكذلك ترخيص عمر لليهود في إقامة ثلاثة أيام، والاستدلال المذكور له وجه من النظر؛ لأنه يعتضد بالقياس؛ لأن القصر شرع لأجل تخفيف مشقة السفر، ومن أقام أربعة أيام، فإنها مظنة لإذهاب مشقة السفر عنه، واحتج الإمام أحمد، على أنها ما زاد على إحدى وعشرين صلاة بما ثبت في الصحيح من حديث جابر، وابن عباس رضي الله عنهم أن النبي ﷺ قدم مكة في حجة الوداع صبح رابعة، فأقام النبي ﷺ اليوم الرابع، والخامس، والسادس، والسابع، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد أجمع على إقامتها، وهي إحدى وعشرون صلاة؛ لأنها أربعة أيام كاملة، وصلاة الصبح من الثامن، قال: فإذا أجمع أن يقيم، كما أقام النبي ﷺ قصر، وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتم.
وروى الأثرم، عن أحمد رحمه الله أن هذا الاحتجاج كلام ليس يفقهه كل الناس، وحمل الإمام أحمد حديث أنس أن النبي ﷺ أقام بمكة في حجة الوداع عشرا يقصر الصلاة على هذا المعنى الذي ذكرنا عنه، وأن أنسا أراد مدة إقامته بمكة ومنى ومزدلفة.
قال مقيده عفا الله عنه: وهذا لا ينبغي العدول عنه لظهور وجهه، ووضوح أنه الحق.
تنبيه:
حديث أنس هذا الثابت في الصحيح، لا يعارضه ما ثبت في الصحيح أيضا، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقام النبي ﷺ بمكة تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا؛ لأن حديث ابن عباس رضي الله عنهما في غزوة الفتح، وحديث أنس، في حجة الوداع، وحديث ابن عباس، محمول على