وبين في موضع آخر أن العزة التي هي له وحده أعز بها رسوله، والمؤمنين، وهو قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [٦٣/٨]، أي: وذلك بإعزاز الله لهم والعزة الغلبة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [٣٨/٢٣]، أي: غلبني في الخصام، ومن كلام العرب من عز بر يعنون من غلب استلب، ومنه قول الخنساء: [المنقارب]
| كأن لم يكونوا حمى يختشى | إذ الناس إذ ذاك من عزيزا |
قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، في معنى هذه الآية أوجه للعلماء:
منها: أن المعنى ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين يوم القيامة سبيلا، وهذا مروي عن علي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهم ويشهد له قوله في أول الآية: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ﴾ الآية [٤/١٤١]، وهو ظاهر. قال ابن عطية: وبه قال جميع أهل التأويل، كما نقله عنه القرطبي، وضعفه ابن العربي زاعما أن آخر الآية غير مردود إلى أولها.
ومنها: أن المراد بأنه لا يجعل لهم على المؤمنين سبيلا، يمحوا به دولة المسلمين ويستأصلهم ويستبيح بيضتهم، كما ثبت في "صحيح مسلم" وغيره عنه ﷺ من حديث ثوبان، أنه قال: "وإني سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة بعامة وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن الله قد أعطاني لأمتي ذلك حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا"، ويدل لهذا الوجه آيات كثيرة كقوله: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ الآية [٤٠/٥١]، وقوله: ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [٣٠/٤٧]، وقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ