قلنا: إنها الأشهر الحرم المذكورة في قوله تعالى: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ [٩/٣٦].
وبهذا تعلم أن التحقيق الذي دل عليه الاستقراء التام في القرآن أن الأمر بالشيء بعد تحريمه يدل على رجوعه إلى ما كان عليه قبل التحريم من إباحة أو وجوب، فالصيد قبل الإحرام كان جائزاً فمنع للإحرام، ثم أمر به بعد الإحلال بقوله: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾، فيرجع لما كان عليه قبل التحريم، وهو الجواز، وقتل المشركين كان واجباً قبل دخول الأشهر الحرم، فمنع من أجلها، ثم أمر به بعد انسلاخها في قوله: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ الآية، فيرجع لما كان عليه قبل التحريم، وهو الوجوب.
وهذا هو الحق في هذه المسألة الأصولية.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: وهذا أمر بعد الحظر، والصحيح الذي يثبت على السبر أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان واجباً رده، واجباً، وإن كان مستحباً فمستحب، أو مباحاً فمباح.
ومن قال: إنه للوجوب ينتقض عليه بآيات كثيرة. ومن قال: إنه للإباحة يرد عليه بآيات أخرى، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه كما اختاره بعض علماء الأصول، والله أعلم، انتهى منه بلفظه.
وفي هذه المسألة أقوال أخر عقدها في "مراقي السعود" بقوله:[الرجز]
والأمر للوجوب بعد الحظل... وبعد سؤال قد أتى للأصل
أو يقتضي إباحة للأغلب... إذا تعلق بمثل السبب
إلا فذي المذهب والكثير... له إلى إيجابه مصير
وقد تقرر في الأصول أن الاستقراء التام حجة بلا خلاف، وغير التام المعروف. بـ "إلحاق الفرد بالأغلب" حجة ظنية، كما عقده في مراقي السعود في كتاب "الاستدلال" بقوله:[الرجز]
ومنه الاستقراء بالجزئي... على ثبوت الحكم للكلى
فإن يعم غير ذي الشقاق... فهو حجة بالاتفاق
وهو في البعض إلى الظن انتسب... يسمى لحقوق الفرد بالذي غلب
فإذا عرفت ذلك، وعرفت أن الاستقراء التام في القرآن دل على ما اخترنا،