قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ لم يبين هنا هذا الذي كانوا يكتمون، وقد قال بعض العلماء: هو ما كان يضمره إبليس من الكبر، وعلى هذا القول فقد بينه قوله تعالى :﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ لم يبين هنا هل قال لهم ذلك قبل خلق آدم أو بعد خلقه؟ وقد صرح في سورة "الحجر" و "ص" بأنه قال لهم ذلك قبل خلق آدم. فقال في "الحجر": ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [ الآية٢٩، ٢٨]، وقال في سورة "ص؟": ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [ الآية٧٢، ٧١].
قوله تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾ لم يبين هنا موجب استكباره في زعمه، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله: ﴿قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [٧/١٢]، وقوله: ﴿قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ﴾ [١٥/٣٣].
تنبيه
مثل قياس إبليس نفسه على عنصره، الذي هو النار وقياسه آدم على عنصره، الذي هو الطين واستنتاجه من ذلك أنه خير من آدم. ولا ينبغي أن يؤمر بالسجود لمن هو خير منه، مع وجود النص الصريح الذي هو قوله تعالى: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ يسمى في اصطلاح الأصوليين فاسد الاعتبار. وإليه الإشارة بقول صاحب "مراقي السعود": [الرجز]
والخلف للنص أو إجماع دعا
فساد الاعتبار كل من وعى
فكل من رد نصوص الوحي بالأقيسة فسلفه في ذلك إبليس وقياس إبليس هذا لعنه الله باطل من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه فاسد الاعتبار؛ لمخالفة النص الصريح كما تقدم قريبا.
الثاني: أنا لا نسلم أن النار خير من الطين، بل الطين خير من النار؛ لأن طبيعتها الخفة والطيش والإفساد والتفريق، وطبيعته الرزانة والإصلاح فتودعه الحبة


الصفحة التالية
Icon