عمار، وأبي جهيم المتقدمين، كما ذكرنا.
فإذا عرفت نصوص السنة في المسألة فاعلم أن الواجب في المسح الكفان فقط، ولا يبعد ما قاله مالك رحمه الله من وجوب الكفين، وسنية الذراعين إلى المرفقين، لأن الوجوب دل عليه الحديث المتفق عليه في الكفين.
وهذه الروايات الواردة بذكر اليدين إلى المرفقين تدل على السنية، وإن كانت لا يخلو شيء منها من مقال، فإن بعضها يشد بعضاً، لما تقرر في علوم الحديث من أن الطرق الضعيفة المعتبر بها يقوي بعضها بعضاً حتى يصلح مجموعها للاحتجاج: لا تخاصم بواحد أهل بيت، فضعيفان يغلبان قوياً، وتعتضد أيضاً بالموقوفات المذكورة.
والأصل إعمال الدليلين، كما تقرر في الأصول.
المسألة الرابعة: هل يجب الترتيب في التيمم أو لا؟ ذهب جماعة من العلماء منهم الشافعي وأصحابه إلى أن تقديم الوجه على اليدين ركن من أركان التيمم، وحكى النووي عليه اتفاق الشافعية، وذهبت جماعة منهم مالك، وجل أصحابه إلى أن تقديم الوجه على اليدين سنة.
ودليل تقديم الوجه على اليدين أنه تعالى قدمه في آية النساء، وآية المائدة، حيث قال فيهما: ﴿فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ﴾.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أبدأ بما بدأ الله به" يعني قوله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ﴾ الآية [٢/١٥٨]، وفي بعض رواياته "ابدؤوا" بصيغة الأمر. وذهب الإمام أحمد، ومن وافقه إلى تقديم اليدين، مستدلاً بما ورد في صحيح البخاري في باب "التيمم ضربة" من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال له: "إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا"، فضرب بكفيه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح بها ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بها وجهه، الحديث.
ومعلوم أن "ثم" تقتضي الترتيب، وأن الواو لا تقتضيه عند الجمهور، وإنما تقتضي مطلق التشريك، ولا ينافي ذلك أن يقوم دليل منفصل على أن المعطوف بالواو مؤخر عما قبله، كما دل عليه الحديث المتقدم في قوله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ﴾ الآية، وكما في قول حسان: [الوافر]


الصفحة التالية
Icon