أي ساكنا على حالة انفلاقه حتى يدخلوا فيه إلى غير ذلك من الآيات.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ لم يبين هنا هل واعده إياها مجتمعة أو متفرقة ؟ ولكنه بين في سورة الأعراف أنها متفرقة، وأنه واعده أولا ثلاثين، ثم أتمها بعشر، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [٧/١٤٢].
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ الظاهر في معناه: أن الفرقان هو الكتاب الذي أوتيه موسى، وأنما عطف على نفسه؛ تنزيلا لتغاير الصفات منزلة تغاير الذوات؛ لأن ذلك الكتاب الذي هو التوراة موصوف بأمرين:
أحدهما: أنه مكتوب كتبه الله لنبيه موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
والثاني: أنه فرقان أي فارق بين الحق والباطل، فعطف الفرقان على الكتاب، مع أنه هو نفسه نظرا لتغاير الصفتين، كقول الشاعر: [المتقارب]
إلى الملك القرم وابن الهمام | وليث الكتيبة في المزدحم |
بل ربما عطفت العرب الشيء على نفسه مع اختلاف اللفظ فقط، فاكتفوا بالمغايرة في اللفظ. كقول الشاعر: [السيط]
إني لأعظم في صدر الكمي على | ما كان في من التجدير والقصر |
القصر: هو التجدير بعينه. وقول الآخر: [الوافر]
وقددت الأديم لراهشيه | وألفى قولها كذبا ومينا |
والمين: هو الكذب بعينه. وقول الآخر: [الطويل]
ألا حبذا هند وأرض بها هند | وهند أتى من دونها النأي والبعد |
والبعد: هو النأي بعينه وقول عنترة في معلقته: [الكامل]
حييت من طلل تقادم عهده | أقوى وأقفر بعد أم الهيثم |
والإقفار: هو الإقواء بعينه.
والدليل من القرآن على أن الفرقان هو ما أوتيه موسى.
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾ الآية [٢١/٤٨].